الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معاملة أمي القاسية لي في الصغر جعلتني منطوية وعديمة الشخصية، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شابة أبلغ من العمر 24 عاما، تخرجت منذ ثلاث سنوات، لدي مشاكل كثيرة أرجو أن تساعدوني في حلها، فمنذ طفولتي وأنا ضعيفة الشخصية ولا أثق بنفسي في المواقف العامة، وكانت مشاكل أمي وأبي الدائمة السبب في ذلك، فأبي كان بعيدا عني جداً، ولا أتذكر منه سوى الصراخ ولكني أحببته عندما كبرت، وأمي كانت قاسية علي، ولكنها كانت تهتم بأدق تفاصيل حياتي، وتريد أن أكون الأفضل دائما، لكن المشكلة أنها كانت تتعامل معي بالضرب والاستهزاء، وأتذكر مواقف لا أستطيع نسيانها عندما كانت تضربني أمام الناس.

أحب أمي كثيرا ولا أتصور حياتي بدونها، فقد فهمت عندما كبرت سبب قسوتها علي وأنا طفلة، لكن لا أستطيع أن أمسح ذلك كله من ذاكرتي، ولا أستطيع أن أنسى صفعاتها لي حتى أمام طالبات المدرسة وأنا في المرحلة الابتدائية، ولم أكن أستطيع الدفاع عن نفسي أو أن أقابل استهزاء زميلاتي لي؛ لأني تربيت على المسالمة التي أكرهها كثيرا، وأكره طريقة تربية أمي التي علمتني الأدب والاحترام المبالغ فيهما، كبرت وأنا لا أستطيع حتى مناقشة غيري ولو فعلت فإني أخاف من الفشل، وهناك مواقف لا أنساها وعندما أتذكرها أبكي.

بالإضافة إلى ذلك فأنا أعاني من خلل في حروف الصفير عند الكلام، وكنت ولا زلت أتعرض للسخرية حتى من عائلتي، هذا الشيء ضاعف من معاناتي، وأمنية حياتي أن أتعالج ولا أعرف هل لحالتي علاج أم لا؟ وهذا الشيء جعلني دائمة الصمت؛ لأني أخاف التحدث مع الناس حتى لا أرى استهزائهم بي، فكبرت وأنا معزولة عن الناس ومنطوية وعديمة الثقة، وليس لدي أصدقاء وأخاف من الذهاب لأي مكان بمفردي، وربما لشخصيتي الجادة دور كبير في هذه العزلة، أتمنى أن أقوي علاقتي بالناس وأصادق العديد من الأشخاص، ولكني أشعر بأني لست محبوبة عند أحد منهم، هذا الشيء جعلني أشعر بأني ليس لي قيمة في المجتمع، ولا أستطيع أن أختار قراراتي الشخصية أو أحدد ما يصلح لي منها، فأنا دائما مترددة وخائفة جدا، وأخاف من الفشل في المستقبل، ولا أستطيع السيطرة على دموعي وأريد أن أدافع عن نفسي وأن أحدد مصيري وأتخذ قراراتي بنفسي، وأريد أن أتحدث بثقة وبدون تردد وخوف.

أفيدوني وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أيتها الفاضلة الكريمة: أنت تتكلمين الآن عن شعور كامل بالإحباط والحسرة، وأشرت بصورة واضحة أن ظروف التنشئة ومعاملة الوالدة كانت سلبية جدًّا، مما أدى إلى وضعك النفسي والمزاجي الحالي، أنا قطعًا لا أنكر أبدًا تبعات التربية والمنهجية، لكن أريد أن أذكرك بشيء، وهو أن والدتك كان منهجها خاطئا، ولكن من وجهة نظرها كان صحيحًا، وهي تريدك أن تكوني أفضل البنات، بل أحسن منها هي ذاتها، كلامي هذا ليس فيه مبالغة -أيتها الفاضلة الكريمة- فأُمك تُحبك حبًّا جليا وفِطريا وغريزيا، لكن منهجها غير مقبول -كما ذكرت لك-، ولكن العذر لها لأنها تريدك أن تكوني أنت الأفضل، هكذا أثبت العلم -أيتها الفاضلة الكريمة-، لذا لا حسرة على الماضي، ولا خوف من المستقبل، واحرصي على نفسك في الحاضر، فالحاضر هو المهم، وضعي لنفسك خططًا حياتية أفضل، وخططا آنية وأهدافا على المستوى الوسطي وأهدافا بعيدة المدى، وهكذا.

لتكن لك مساهمات إيجابية داخل المنزل، هذا يساعدك كثيرًا ويُثبت لمن حولك من أسرتك -والديك وإخوتك- أنك بالفعل إنسانة يُحتذى بها ويُعتمد عليها ويُعتدَّ بها، مثل هذه الصورة الذهنية حين تُبنى وسط أفراد أسرتك ستعود عليك عودًا حميدًا وجميلاً، -أيتها الفاضلة الكريمة- اجعلي هذا هو منهجك، ورتّبي وقتك وأكثري من القراءة والاطلاع فيما هو مفيد، وأنا أود أن أقترح عليك أن تذهبي إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن، أنت تخرجت من الجامعة ولا عمل لك، وأعتقد أن التفاعل الاجتماعي على مستوى تحفيظ القرآن سوف يُفيدك كثيرًا، كما أن محفظة القرآن -إن شاء الله تعالى- سوف تُخلصك تمامًا من مشكلة حروف الصفير، فأقدمي على ذلك وثقي فيما أقوله لك، -وإن شاء الله تعالى- ستكون هناك ثمرة عظيمة جدًّا ستجنينها قريبًا، ويجب أن يكون انطباعك عن ذاتك إيجابيًا، فلا تحقّري من ذاتك -أيتها الفاضلة الكريمة- وطوّريها، ودعّميها من خلال الدعائم ونمط الحياة الذي ذكرته لك باختصار.

أنا دائمًا أحب أن ينطلق الناس انطلاقة قوية في حياتهم، خاصة إذا كان الإنسان له مفاهيم خاطئة عن نفسه، وسيطر عليه عسر المزاج -كما هو في حالتك-، لذا أنا أنصح بعلاج دوائي بسيط ولمدة قصيرة، ومحسِّنات المزاج سوف تُساعدك، مثل عقار يعرف تجاريًا باسم (فافرين) ويسمى علميًا باسم (فلوفكسمين)، وهو آمن وغير إدماني ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، وأعتقد أنه سوف يُفيدك كثيرًا، فابدئي بجرعة خمسين مليجرامًا -أي نصف حبة- تناوليها ليلاً بعد الأكل لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة -مائة مليجرام-، واستمري عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهر، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء، فهو دواء ممتاز جدًّا للخوف وللتردد، بجانب فوائده الأخرى التي ذكرتها لك.

باركَ الله فيك وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر amr ali

    الاخت الكريمه ابدئى الان فى العلاج و لا تضيعى الوقت و اذهبى الى مراكز تحفيظ القران و شاهدى محاضرات التنميه البشريه فهى مفيده جدا و حاولى التعامل مع الناس بالتدريج
    انا اعانى من نفس المشكله او اكثر منك بل انى وصلت لدرجة انى اعتبرت ابى غير موجود فى حياتى كل علاقتى به ان اتصل به لاطمئن عليه اما امى اجمل شئ حدث فى حياتى رغم ان معاملتها لى كانت قاسي جدا مثل والدتك
    يا اخت منى هذا واقع و قدر ليس بيدنا تغيره و لاكن اجعلى مستقبلك افضل و لا تنظرى الى الخلف و ابدئي فى جعل حياتك افضل من الان علقى قلبك بالله و صلى و ادع الله ان يصلح لك حالك و يرشدك الطريق الصواب
    انا لا اريدك ان تخطئي مثلى و تلومى نفسك حتى تكبرى و يمر العمر بكى و فى النهايه يجب ان تتعاملى مع الحياه حتى تستمر انا الان عندى 30 عام و بدات فى اصلاح نفسى متاخرا منذ عام تقريبا اى بعد زواجى بعام و ندمت على تاخرى و استسلامى للظروف
    فى النهايه ادعو لك من قلبى ان يصلح الله بالك و يوفقك فى حياتك و يرزقك بالزوج الصالح و الزريه الصالحه ان لم تكونى متزوجه

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً