الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أشعر بالرغبة أو الإجادة في تخصص الهندسة، هل تحويلي للطب خيار جيد؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيراً، وجعلكم ممن يدخلون الجنة بغير حساب أو عذاب.

أنا فتاة عمري (19) عاماً، طالبة في السنة الثانية من كلية الهندسة، منذ الصغر كنت أواجه مشاكل مع مادة الفيزياء، فأفهمها، لكن عند الامتحان لا أحصل على علامات كاملة، وإلى الآن لم أعرف أين كانت تذهب علاماتي في الامتحانات، وكنت أحب وبشدة مادة الأحياء، وتميزت في الفهم عن باقي بنات صفي وبشهادتهن.

أنا من النوع الذي لا يدرس إلا ليلة الامتحان، وأحصل على العلامات، فالحمد لله، إذا فهمت تمكنت واستوعبت بسرعة، لكن مدرسة الفيزياء ترهقني وتشعرني أنني غبية؛ لأنها تريد ممارسة في حل الأسئلة، فمشكلتي فقط في حل المعادلات، لكن في الفهم كانت المعلمة تمدح شرحي للأجوبة، مع أنني أحب الرياضيات ولا أواجه فيها مشكلة، وأنا لا أحب الفيزياء أصلاً؛ بسبب معلمتي التي كانت تشعرني أنني غبية.

دخلت كلية الهندسة -تخصص الهندسة المدنية-، والتي تعتمد على الفيزياء ومادة الأستاتيك التي لم أفهم منها شيئاً؛ لأنني لا أريد أن أفعل. واقترحتْ علي أمي أن أعيد سنة التوجيهي، والذهاب لكلية الطب، وكانت حلمي منذ الصف العاشر؛ لأن تخصص الطب له هيبة بين الناس، وقد مررنا بمشكلة أسرية منذ سبعة أعوام، أدت إلى انفصال أبي عن أمي، فكنت أريد أن أبرهن للجميع أنني أستطيع فعل الكثير، لكن الآن اختلف السبب، فأنا أرى نفسي طبيبة، وأشعر بقدرتي على فهم الجسم البشري، واستمتاعي بذلك، وسعادتي بمساعدة أحدهم، وحبي للمادة، وأشعر أنني بهذا العمل سأكون أقرب ما يكون للآخرة.

أنا متميزة في اللغة الإنجليزية، ولكنني لم أدرس في التوجيهي دراسة تؤهلني لكلية الطب، بل التي تؤهلني لكلية الهندسة؛ لأسباب نفسية، وقلة الثقة بالنفس؛ لأنني لم أعتد أن أدرس بجدية، وأحصل على أعلى العلامات، فكنت من المتميزات، لكن لست من الأوائل؛ لعدم اهتمامي بالحصول على مرتبة، وإلى هنا لا ترون مشكلة كبيرة.

المشكلة هي وقوعي في الحيرة بين هذين الخيارين، وقد استخرت واستشرت، وأشاروا علي بالتحويل؛ لأن تخصص الهندسة للرجال وليس للنساء, وأنا من المحبين للمطالعة والقراءة في شتى المواضيع، وأستمتع بمعرفة وقراءة تجارب الناس في المنتديات عن أي موضوع أو مشكلة، وخلال قراءتي كنت أقرأ عن الأمراض، واكتشفت البارحة أنني أعاني من متلازمة طالب الطب، وأعراض هذه المتلازمة ظهرت علي منذ ثلاث سنين، ولكن البارحة -خلال بحثي- عرفت أن لها اسماً، وأن أغلب طلاب الطب يعانون منها.

الخلاصة أنني درست تحويلي لكلية الطب من كل الجوانب، وأنا مستعدة لكل التحديات التي قد تواجهني، وقرأت عن كل ما يتعلق بالطب من مشاكل قد أعاني منها، وأعلم أنني سأتأخر عن زميلاتي بثلاثة أعوام، وقد قرأت كتاباً عن الطب وتحدياته، والمشكلة الوحيدة الآن هي المتلازمة، فأريد أن أعرف عنها أكثر، وكيفية علاجها، وهل من المعقول أن تتفاقم أم سأتحسن إذا درست الطب؟ وهل ترون أن تحويلي لكلية الطب خيار جيد؟

أرجو أن يكون الرد غير مختصر وفيه إسهاب، وأعتذر عن أسلوبي غير المنظم في طرح الاستشارة، وشكراً جزيلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميس حفظها الله.
وعليكم السلام رحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أيتها الفاضلة الكريمة: كثير من الناس لديهم مقدرات أكاديمية رائعة جدّاً في كثير من المواد، لكنهم قد يخفقون في مادة معينة، وهذا الأمر يُفسَّر بعدم الرغبة في المادة، أو أنه ناتج عن نوع من ضعف التعلُّم، وضعف التعلم ظاهرة معروفة، أن يتميز الإنسان في أشياء ويفتقد أشياء أخرى، فهناك من عندهم ضعف في التهجئة، وهناك من عندهم ضعف في القراءة، وهناك من عندهم ضعف في الكتابة، بالرغم من أن مستوى الذكاء والاستيعاب لديهم عالٍ جدّاً، وهناك ما يعرف بتخصصية الضعف الأكاديمية، فربما يكون عندك هذه المشكلة، وهذا هو الذي يجعلك لا تواكبين متطلبات دراسة مادة الفيزياء، وهذه مُعضلة حقيقية.

أعتقد أن توجُّهك نحو دراسة الطب هو أمرٌ جيد، ولكن لا بد أن يكون لك قناعات بأن الطب أيضًا له التزامات، فهو يتطلب الاجتهاد، ويتطلب حسن تنظيم الوقت، ويتطلب المثابرة، فإن توفرت لديك هذه الشروط، فأعتقد أنك يمكن أن تُقدمي على دراسة الطب، وموضوع تأخر ثلاث سنوات ليست مشكلة أبدًا.

هناك مبدأ عام للاختيار الأكاديمي، يمكن أن نلخصه في كلمة من ثلاثة أحرف، وهي: (رفق)، فالراء تُشير إلى الرغبة، فما هي رغبة الطالب؟ وما هي مصادر تميُّزه الشخصي؟ فالرغبة إذًاً أحد مُحددات الاختيار الأكاديمي. والفاء تُمثل الفرصة، ما هي الفرصة السوقية الموجودة للعمل وخلافه، بعد أن أتخرج ثمَّ ماذا؟ فإذًاً يجب أن تُراعى الفرص ومدى توفرها في هذا التخصص. والقاف يُشير إلى القدرة، هل هناك قدرة استيعابية؟ هل هناك قدرة عقلية؟ هل هناك قدرة وجدانية؟ ومستوى الذكاء، ومستوى الالتزام، وحتى القدرة الاجتماعية والقدرة المالية –أيضًا- يجب أن تُعطى اعتبارًا.

يا أيتها الفاضلة الكريمة، من خلال هذا المبدأ تستطيعين أن تُقرري، وإذا كان الطب يتواءم مع هذا المفهوم – مفهوم الرفق، وأحسب أنك كذلك – هنا أقدمي على دراسته.

ما أسميته بمتلازمة طلاب الطب، هذه أسماء واهية، وهو كلام ليس له أسس، نعم، حين درسنا الطب أو بعض طلاب الطب حين يتحدث الأستاذ عن بعض الأمراض، قد يُخيَّل إليك أن هذه الأعراض لديك، لكن هذا أمر ليس له اعتبار وليس ذو بال، ولا أعتقد أنه ذو أهمية أبدًا.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً