الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف المسلم حديث التدين من الخلافات الظاهرة بين أصحاب العمل الإسلامي.

السؤال

السلام عليكم..

شيخنا الفاضل، أنا رجل حديث عهد بتوبة (منذ سنة ونصف تقريباً). واستشارتي أنني بعد استقامتي وحفظ شيء من كتاب الله، واطلاعي على الشيء اليسير من أحوال بعض الجماعات الإسلامية، تفاجأت أن الاختلافات لم تكن جماعات وحسب، بل أصبح بعض طلبة العلم الجيدين المتمكنين محل نظر عند بعض العلماء، والبعض الآخر يمتدحونهم ويثنون عليهم.

ومع تلقينا للتحذيرات من الجماعات والأشخاص وجد الشخص نفسه تائهاً بين تلك المشاحنات الساخنة، خصوصاً في تلك الأزمان، وفوق ذلك أنني أعيش في بلد لا يوجد بها شيخ راسخ نتلقى منه، أو طالب علم نتذاكر معه، كل ما هنالك كتاب يزخر بدرر المتقدمين والمتأخرين، وشريط نفرغ منه فوائد المتحدثين، وشبكة نبحث من خلالها عن ضالتنا. وبالله نستعين.

أخيراً أسأل الله أن يوفقنا لكل ما يحبه ويرضاه، ويجزي القائمين والعاملين في هذا الموقع المنشود خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله العظيم أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

فهنيئاً لك بتوبة الله عليك، ونسأله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياك الثبات على طاعته حتى الممات، وأوصيك بأن تحرص على تعلم القرآن وأحكام الدين، واعرف الحق تعرف أهله، ودر مع كتاب الله حيث دار، واعلم أن الحق ليس ملكٌ لأحد، وأن كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وإذا أخلص الناس في تدينهم قلت الخلافات، فإن المخلص لا يتضايق إذا رأى غيره يعمل لنصرة الدين، ويكون همه ظهور الدين وانتشاره سوءً أكان ذلك عن طريق الأخ الآخر أو الجماعة الفلانية، وقد ترجم الإمام الشافعي هذا المعنى فقال: (ما ناظرت أحداً إلا أحببت أن يظهر الله الحق على لسانه) ولا عجب فقد تمنى هذا الإمام أن يتعلم الناس علمه دون أن ينسبوا إليه حرفاً.

ولابد أن تعلم أن ساحة العمل الإسلامي تحتاج لتكاتف الجهود وتوزيع الأدوار، فما المانع لو ركزت مجموعة على التربية، وأخرى رد الشبهات ومواجهة الغزو الثقافي، وثالثة على التأصيل العلمي وتحقيق النصوص، ونشر علوم الكتاب والسنة؟ والأمة تحتاج لكل هذه الجهود، بل وإلى أكثر من ذلك.

واعلم أن هذه المشاحنات الساخنة لا تخدم هذا الدين، وهي عنوان الفشل، قال تعالى: (( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ))[الأنفال:46]^ وهي معارك في ميدان لا عدو فيه، وهي التي أعطت الأعداء فرصة السيطرة على مواردنا وثرواتنا وأرضنا ومقدساتنا، وأحسن من قال: (ما زلنا نختلف في الخف ومسح القدم حتى فقدنا في الأرض موطئ القدم) وقد تباينت آراء السلف في كثير من المسائل، لكن الشيطان لم يصل إلى دينهم وقلوبهم، وهذا الشافعي وقد اختلف مع رجل من علماء زمانه، فلما لقيه عانقه ولاطفه، وقال: يا أخي ألا يحسن أن نكون إخواناً وقد اختلفنا في مسألة، ورحم الله الشافعي، لقد كان فقيه النفس، والخلاف شر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

ولابد كذلك من النظر في المسائل التي يحدث حولها الخلاف، فإذا كانت أصول الدين وثوابته، فلابد من الاتفاق على الرجوع إلى الكتاب والسنة، والاحتكام إلى الوحيين، والحرص على طلب العلم، وبذل العلم، وشرح الغامض، وإعذار الجاهل، والتماس الأعذار، وتذكر الحسنات الماحية، ومراجعة المخطئ وملاطفته، فإن رجع إلى الحق وأناب، وإلا فلابد من البيان والتوضيح، وسلوك سبيل المؤمنين، وقد أعد الله لنصرة دينه طائفة من العدول، ينفون عنه تحريف الجاهلين وانتحال المبطلين.

وأرجو أن أذكّر بأن المسلم العامي البسيط لا ينبغي أن يقحم نفسه في هذه المعارك التي يُراد أن يكون وقودها جماهير المسلمين، والصواب أن يُشغل الإنسان نفسه بطلب العلم النافع، وأن يبحث عن الأتقى والأخشى لله من العلماء، فيأخذ بفتواهم، ورحم الله مالك حين قال: (إن هذا العلم دينٌ فانظروا عمن تأخذوا دينكم).

وعندما تظهر الخلافات والجدال تنشأ أجيال لا تهتم إلابدراسة مسائل الخلاف؛ لإثارة الأحقاد والضغائن، ومن تعلم علماً لا يريد به إلا مجادلة الفقهاء وصرف وجه الناس إليه فبئس ما فعل، ونعوذ بالله من أحوال أقوامٍ سلم من ألسنتهم اليهود والنصارى ولم يسلم منهم إخوانهم، وعلى كلٍ فإن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في الذي ينال منهم معلومة، وإليك بعض النصائح:

1- اعرف الحق تعرف أهله.

2- احفظ لسانك من عرض إخوانك، فإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

3- إذا سمعت حسنةً فانشرها، وإذا رأيت سيئة فاكتمها.

4- اعلم أن كلام الأقران في بعضهم لا يؤخذ به؛ لأنه ربما كان الدافع الحسد أو حب الظهور والشهرة، أو غير ذلك.

5- لن تُسأل يوم القيامة عن رأيك في فلان أو فلان، ولكنك سوف تُسأل عن طاعتك وعبادتك واجتهادك في نصر الإسلام ونشره.

6- إذا وجدت من يعمل الخير فضع يدك في يده.

7- اجتهد في معرفة عيوب نفسك، واعمل على إصلاحها، فإن السعيد من شغلته عيوبه من عيوب الناس.

8- اعلم أن سنة الله فضح من يتبع العورات.

9- عليك ببذل النصح لإخوانك، واحرص على الإنصاف، واعلم أن الإنسان ربما يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض.

10- ابحث عمن يخاف الله ويحرص على حفظ لسانه، واستفد منه، وشكراً لك على اختيار الشبكة الإسلامية.

11- أعلم أن كل إنسان فيه عيوب، وكان من السلف من يدعو الله قبل ذهابه للشيخ، ويقول: (أسألك يا رب أن تستر علي عيوبه حتى أنتفع منه).

12- تذكر أن الشيطان يئس أن يعبده المصلون، ولكن رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك، في التحريش بينهم، وإشعال نيران العداوة والبغضاء.

نسأل الله أن يصلح الأحوال.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا سمية

    لفتني ان كثيرا من الناس تحجم عن الاخذ عن شيخ
    او الاستماع له لانهم راو منه شيئا نكروه عليه وكأن الشيخ عليه ان يتصف بالكمال

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً