الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس المعاملات أتعبني، أرجو المساعدة والحل؟

السؤال

أنا تعبت كثيرا من الوسوسة في العبادات، ولكن اطمأن قلبي؛ لأني علمت أن الله لا يقبل الأعمال بجودتها، وإنما برحمته، ولكني الآن تصيبني وساوس في المعاملات، وهذه أصعب من وسوسة العبادات؛ لأن وسوسة المعاملات يمكن أن تكون حقيقة وليست مجرد وساوس، وبذلك أكون قد قصرت في حق عباد الله، ولن يغفر لي الله إلا إذا غفر لي هؤلاء العباد.

أنا كتبت كل من تعاملت وأصابني شك في معاملتي معهم، كتبتهم في ورقة، وهذه الورقة تشعرني أن علي حملا ثقيلا جدا، فأنا عندي مشاكل كثيرة وليست واحدة أو اثنتين، وهناك مشاكل نسيت أن أدونها؛ لأني لم أقدر، وهذا أصابني بكثير من تأنيب الضمير.

أرجوكم، ما الحل؟ لأن هذا يؤثر علي، وأنا طالب في الصف الثالث الثانوي، وأريد التفرغ للمذاكرة، أرجوكم لا تقولوا لي: لا تلتفت للوساوس؛ لأنها يمكن أن تكون حقيقة، ويكون عندي ذنوب في حق عباد الله، ولن يغفر لي الله إلا إذا سامحوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ abdelrahman حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يُسعدنا اتصالك بنا في أي وقتٍ وفي أي موضوعٍ، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يُبارك فيك، وأن يثبتك على الحق. كما نسأله تبارك وتعالى أن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يشفيك من هذه الوساوس، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابني الكريم الفاضل عبد الرحمن- فإني أحِبُّ أن أقول لك بدايةً: إن الذي تعاني منه من أمر الوسوسة -سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالعبادات أو المعاملات- إنما هو نوع من حرب الشيطان عليك؛ لأن الشيطان -لعنه الله- عندما عجز أن ينال منك وأن يحول بينك وبين الطاعة، أو أن يوقعك في المعاصي والذنوب الكبيرة، بدأ يستعمل معك أسلوب الوسوسة، وهو ما يعرف بالحرب الداخلية، لأن الشيطان يستعمل وسيلتين لتدمير العبد المؤمن، الوسيلة الأولى: أن يُزيِّن له الشهوات فيقع في المحرمات التي تعرفها، والوسيلة الثانية: أن يوقعه في الشبهات، وهذا الذي تعاني منه إنما هو نوع من الشبهات الشيطانية التي يشُنُّها الشيطان على قلبك؛ ليحول بينك وبين الأمن والأمان والاستقرار والأُنس بالله تبارك وتعالى، وحتى الراحة النفسية الطبيعية.

ولذلك هذه مسألةٌ أريد أن تُركِّز عليها أولاً، أنك مستهدف من قبل الشيطان، وأن هذه الوساوس بصرف النظر عمَّا هي عليه إنما هي نوع من كيد الشيطان الرجيم، يريد أن ينال منك بسببها أو بطريقتها، فأرجو ألا تُعطيها اهتمامًا كبيرًا.

الأمر الثاني -بارك الله فيك-: إن هذه الورقة التي كتبت فيها الأسماء هي نوع من الوسوسة أيضًا، فكم أتمنى أن تتخلص من ذلك، وأن تكون إنسانًا طبيعيًا جدًّا، واعلم أن الله كما يغفر لك ما بينك وبينه فإنه سيغفر لك ما بينك وبين عباده، لأن الأمر كله له سبحانه وتعالى جل جلاله، ولذلك إعطاء المسألة أكبر من حجمها هذا في حد ذاته إشكال آخر، أتمنى ألا تُعطيها مساحة أكبر من مساحتها، وأن تجعل الأمور طبيعية، وألا تُلقي لها بالاً؛ لأن التركيز عليها يؤدي إلى تضخيمها وإلى زيادتها، وإلى شدة تأثيرها عليك وعلى نفسيتك.

لذلك أتمنى -كما ذكرتُ لك، بارك الله فيك- أن تعتبر الوسوسة في المعاملات هي نفس الوسوسة في العبادات، خاصة وأنك تقول: إنك طالب في الصف الثالث الثانوي، يعني أنت لست مسؤولاً كبيرًا في الدولة تحت يدك مئات الموظفين أو الآلاف، أو أنك صاحب شركة تحت يدك مئات المتعاملين الذين تتعامل معهم بالأموال، وإنما أنت رجل علاقاتك محدودة وعلاقاتك بسيطة، أنت رجل طالب، ماذا للطالب من علاقات أكثر من علاقات ما بين أرحامه أو جيرانه أو زملائه في الدراسة؟! إذًا لا تُضخم الأمر -ولدي عبد الرحمن- أتمنى أن تأخذ كلامي مأخذ الجد، لا تضخم الأمر، الأمر عادي جدًّا وبسيط للغاية، وإذا قدَّر الله ووقع منك شيء من هذا القبيل، فاعلم أن الذي سيغفر لك التقصير في حقه سيعينك أيضًا وسيغفر لك التقصير في حق عباده، ولكن أنت لا تتعمَّد ذلك يقينًا، كما أنك لا تتعمَّد التقصير في حق الله تعالى، فلا تتعمَّد أيضًا إلحاق الضرر أو التقصير في حق أحد من عباده تعالى.

كل المطلوب منك أن تحافظ على الأسلحة القوية التي أعطاك الله إياها؛ لتدفع بها كيد الشيطان عنك. أعظم هذه الأسحلة: المحافظة على الصلوات في أوقاتها، المحافظة على أذكار الصباح والمساء، المحافظة على أذكار ما بعد الصلوات، أن تجعل لك وردًا من القرآن الكريم يوميًا تقرأه ولو على الأقل مقدار صفحة واحدة حتى لا تقطع علاقتك بمصدر الإيمان الحق وهو القرآن الكريم، أن تدعو الله تعالى وأن تُلحَّ عليه أن يعافيك.

أنصحك أيضًا بعمل رقية شرعية، إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، أو الاستماع إلى الرقية الشرعية خاصة في الليل وأنت نائم، أتمنى أن تستمع للرقية الشرعية للشيخ محمد جبريل، اجعلها تعمل من خلال الإنترنت وأنت نائم، وهي قطعًا إذا لم تنفعك فلن تضرك.

أتمنى أن تعرض نفسك على أخصائي نفساني؛ لأن هناك أدوية وهناك حبوبا متقدمة جدًّا، وليس لها أعراض جانبية -بإذن الله تعالى- إن استعملتها سوف يخفَّ عنك هذا الوسواس، وسوف تُعافى منه -إن شاء الله تعالى- في خلال فترة وجيزة.

وأتمنى أن تُركِّز أيضًا -بإذن الله تعالى- على دراستك، وأن تفرِّغ معظم وقتك للمذاكرة حتى تحصل على مجموع متميز، لتدخل كلية من كليات القمة، فتكون أقدر على خدمة دينك.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً