الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأجيل الأعمال عادة تبعدني عن طموحي وتواصلي مع الناس.. أرشدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أتابع كثيرًا موقع إسلام ويب، وأشكركم جدًا على مجهوداتكم الطيبة، وأحببت أن أعرض مشكلتي عليكم لثقتي الكبيرة بتميز فريقكم الرائع.

لا أعرف ما هي مشكلتي بالتحديد، ولكني سأحاول وصف بعض أعراضها، والأسباب التي أعتقد أن لها علاقة بها، فمشكلتي الأساسية هي الفشل المهني المرتبط بصعوبة التواصل مع الآخرين؛ مما جعلني كثير العزلة والقلق وعدم الرضا عن النفس، وذلك ولد لدي حالة رد فعل سلبية عامة، وهي تجنب اتخاذ أي خطوة ذات مردود إيجابي إلا في حال الضرورة القصوى، أو الصدفة، بمعنى المواقف الغير مخطط لها.

في بعض الاحيان يتولد لدي دافع كبير في الفعالية والإقدام على العمل، والتواصل مع الآخرين، ولكن سرعان ما يتلاشى وكثيرًا ما يشغلني هذا الوضع فأظل أفكر وأبحث وأحلل الأسباب وطرق العلاج، وأقارن بين نفسي والآخرين،.

في أغلب الأحيان أشعر بالنقص، مع شعور داخلي بالتميز عن الآخرين، وهذا ما يحيرني ويصدر عن ذلك تصرفات غريبة، فمثلا أشعر برغبة في فعل أشياء خاطئة نسبيًا لتعويض شعوري بالخوف من ارتكاب الأخطاء؛ مما يدخلني في صراع داخلي بين رغبة عمل الأخطاء ومنطقية خوفي من ارتكابها.

لا تقتصر حالتي عند هذا الحد، فقد ولد هذا لدي شعور بالذنب تجاه أي أخطاء تحصل في محيطي، حتى إن لم يكن لي علاقة بها، فأنا أصنع الأسباب التي تجعلني موضع الاتهام، وأبدأ بلوم نفسي، وأحيانًا أعرض نفسي للوم الآخرين، ولا أستطيع الدفاع عنها إلا بعد أن تنتهي المشكلة أقوم بالدفاع عن ذلك في مخيلتي، وأندب حظي أيضًا على عدم مقدرتي استحضار تلك الأفكار في وقتها، فكل حلولي تأتي متأخرة، وأيضًا عدم اقتناعي بمهنتي فسقف طموحاتي عال جدًا.

بعد تحليلي للموضوع وجدت نفسي غير مقبل بجدية على تحقيق ذلك الطموح، فعلمت أنه مجرد وهم أخدع به نفسي لأظل في حالة الركود والعجز الذي أنا فيه، فأنا أتمنى أن أكون مثاليًا في كل ما أقوم به، وبالمقابل أفعل عكس ذلك تمامًا.

من خلال بحثي وقراءتي في النت -الذي صار يأخذ أكثر وقتي- قارنت بين حالتي وبين بعض الأفكار التي اطلعت عليها، واستنتجت أن إصراري على البقاء هكذا، هو تعلقي ببعض العادات التي مارستها ولا أزال أمارسها، وهي عدم تحمل المسؤولية، والرغبة الدائمة بالراحة وتأجيل الأشياء، وأخيرًا الهوس بالأفلام وممارسة العادة السرية بكثرة، والتي كنت أمارسها سبيلاً للخروج من الواقع الذي أتعبني.

لا أطيل عليكم فما في النفس لا يسعه آلاف السطور، أرجو الإفادة، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرًا لك على التواصل معنا والكتابة إلينا ببعض ما في نفسك، وكما قلت ففي النفس ما لا تسعه آلاف السطور، أعانك الله وخفف عنك هذه المعاناة.

نعم أي إنسان يمكن أن تكون لديه الأحلام والطموحات والآمال... إلا أن أمورا كثيرة قد تقف في طريقه، وأولها نفسه التي بين جنبيه، ولذلك يقول تعالى منبهًا لنا لمفتاح التغيير: { إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغّيروا ما بأنفسهم }، وكما يقول أحد علمائنا في مقال له بعنوان "من أنفسنا يبدأ التغيير".

من أكثر العوامل النفسي الداخلية التي تقيّد الإنسان وتقعده على التغيير هو سجن العادات، نعم فالعادات يمكن أن تجعل الإنسان سجينًا لسنوات وسنوات... مع أن مفتاح هذا السجن ليس في يد أحد إلا يده هو!

يبدو من سؤالك أنك تدرك كل هذا الكلام، ولكن عليك اتخاذ الخطوة الأولى للتغيير، ويبدو أيضًا أنه واضح من سؤالك أنك تعرف المشكلة وحلها، فقد ذكرت هوس الأفلام، وممارسة العادة السرية....

هل تستطيع اليوم أو غدًا صباحًا أن تحدث تغييرًا بسيطًا في حياتك؟

هل يمكنك مثلا أن تقوم ببعض الخطوات لجعل مشاهدة الأفلام على جهاز الكمبيوتر أو اللابتوب مستحيلا أو صعبًا، ولو لبعض الوقت؟ لا شك أنك تعرف كيف تفعل هذا.

أنا من أنصار فكرة أن التغيير البسيط والصغير يمكن أن تؤدي لنتائج كبيرة، ومنها هذا الأمر الذي ذكرته لك.

يقول الله تعالى في ضرورة القيام بالمطلوب مما يدعم رغبة الشخص في العمل والتغيير، حيث يقول: { ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدة }، فمن يريد الخروج للجهاد، أو عمل ما، فإن عليه أن يعدّ لهذا العمل.

ما أظنك إلا قادر على القيام بهذا بعون الله، فواضح من رسالتك أنك شاب طموح، وأنت في هذه السن من الشباب، إلا أن العادة والظروف من حولك وضعتك في الصندوق الذي أنت فيه، وما عليك إلا الخروج من هذا الصندوق وهذا الروتين القاتل.

هل تعلم كم كان عمر عمر بن الخطاب عندما أسلم؟ يقال أنه كان عمره 27 سنة، وكل هذه القصص العجيبة التي نسمعها عنه وهو في هذه السن من الشباب!

هيا أيها الشاب الطموح، ما زالت عندك الأيام والسنين لتُحدث التغيير المطلوب، وما عليك إلا اتخاذ الخطوة الأولى، وكما يقول المثل الصيني أن الطريق الذي طوله مائة ميل يبدأ بخطوة واحدة.

وأما بقية الأمور والمشكلات التي وردت في سؤالك إنما هي مجرد أعراض ستزول إذا ما أحدثت التغيير الأساسي في حياتك.

وفقك الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً