الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من أفكار وسواسية تتعلق بالغيبيات تقتحم عقلي.. كيف الخلاص؟

السؤال

السلام عليكم
السادة مستشاروا الشبكة الكرام.

توفي والدي منذ عدة أشهر عن عمر 80 سنة، وكان يعاني من ضعف في عضلة القلب 40% وسوائل على الرئة وتورم في القدمين، ومن وقتها وأنا أشعر بالحزن وأفتقده بشدة، ولا أشعر بطعم الحياة، وأشك أنه لو تم علاجه بطريقة صحيحة، وأفضل لكان الآن حيًا يرزق ولم يتوف، وهي فكرة متسلطة على عقلي، فما رأيكم؟

ثانيًا: أنا أعاني من أفكار أخرى وسواسية تتعلق بالغيبيات، مثلا: الروح وماهيتها - كيف يعمل عقلي ويفكر؟ - كيف يرى الله ويسمع 6 مليار إنسان في وقت واحد؟ - لا أقبل خلق الكون! كيف يحيا الناس وتعمل أعضائهم؟ - كيف خلق الله كل هذه الكائنات؟

كل هذه أمثلة لأفكار تقتحم عقلي كثيرًا وتصيبني بالسرحان.

لقد قررت أن أتناول بروزاك 20 قرصًا يومًا بعد يوم، ومعه تريتيكو( ترازودون ) للتخلص من هذه الأعراض وأردت استشارتكم في ذلك.

وجزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ selim حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمن الطبيعي عندما يتوفى شخص عزيز علينا أن نحزن ونبكي لفترة من الوقت، وبعدها ننسى، والحياة مستمرة؛ لأن هذه هي طبيعة الحياة، ولكن أن يستمر حزنك على أبيك لأكثر من شهرٍ، فهذا شيء غير طبيعي، وهو ما يُعرفُ (delete. Grief Reaction)، أو (فترة حزن ممتدَّة أو متأخرة أو طويلة) ومن علاماتها تذكُّر الشخص باستمرار، الإحساس بأنه كان يمكن أن يُنقذ حياته، إحساس بالغضب من الأطباء بأنهم قد أخطؤوا في تشخيصه، أو أخطؤوا في علاجه، وأحيانًا لوم النفس على التقصير، وأحيانًا حتى الشخص يسمع صوت الشخص الميت، ويحاول تعظيمه ووضع حالة من المثالية عليه، وهذه حالة – كما قلتُ – معروفة لدينا في الطب النفسي، وذكرتَ بعد ذلك أنه أصابك وسواس، وشرحت ذلك بطريقة واضحة.

الـ (فلوكستين Fluoxetine)، أو الـ (بروزاك Prozac) من الأدوية المعروفة أنها تُعالج الوسواس القهري، ويمكن أن تُساهم أيضًا في علاج حالة الحزن المتأخرة عندك.

نعم الجرعة هي عشرون مليجرامًا يوميًا، يستحسن تناولها بعد تناول وجبة الإفطار، ويحصل مفعولها بعد أسبوعين، وتحتاج إلى شهرٍ ونصفٍ أو شهرين حتى نحكم بفائدتها أم لا.

الـ (ترازدون Trazodone)، والذي يعرف تجارياً باسم (مولباكسين Molipaxin) علاج للاكتئاب، وهو مُهدئ قوي، ولا أرى فائدة له إذا كنت تنام طبيعيًا، واحتياطيًا أحيانًا: الفلوكستين في الأسبوعين الأولين من بداية تناوله، قد يحدث نوع من الأرق عند بعض الناس، فيمكن أن تستعمل الترازدون لمدة أسبوعين، وبعدها أرى أنه من الأصوب الاستمرار في الفلوكستين وحده، وبعد شهرين إذا لم تتحسَّن أو لم يتحسَّن الوسواس القهري بدرجة كبيرة، فيمكنك زيادة الفلوكستين إلى حبتين يوميًا.

وفَّقك الله وسدَّدك خُطاك.
+++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. د. عبد العزيز أحمد عمر استشاري الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي استشاري الشؤون الأسرية والتربوية:
+++++++++++++++++++++
مرحبًا بك – أخِي الكريم – في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يعظِّم أجرك في مصيبتك، وأن يغفر لأبيك، وأن يُحسن عزاءكم فيه، ونصيحتنا لك – أيها الحبيبُ – أن ترضَى بقضاء الله تعالى وتصبر على قدره، وتواسي نفسك بما وعد الله تعالى به الصابرين {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنَّا إليه راجعون * أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.

ومما يُذهب عنك هذا الحزن الذي تجده أن تُوقن يقينًا جازمًا أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، كما أخبرنا الله تعالى في كتابه في آياتٍ كثيرة: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}، {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم}، {قل يتوفَّاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم ثم إلى ربكم تُرجعون}، {قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} وكقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزًّا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قُتلوا ليجعل الله ذلك حسرةً في قلوبهم والله يُحيي ويميتُ}.

والآيات في هذا المعنى كثيرة، فأرح نفسك، وأرح قلبك من التحسُّر والندم، واعلم بأن الله تعالى قد قدَّر لأبيك أن يموت في هذه اللحظة بهذا السبب، وأن فرض غير هذا مُحال، فإن القدر لا يتغيَّر ما دام الله تعالى قد قدَّره وعلمه.

وأما ما تُعاني منه من أفكارٍ ووساوس في شأن الغيبيات، فعلاجها هو أن تُعرض عنها بالكليَّة، وألا تسترسل معها، فإذا أعرضتَّ عنها ذهبتْ -بإذن الله تعالى- واعلم أنها ستجُرُّك إلى عناءٍ قد لا تستطيع أن تدفعه عن نفسك فيما إذا تسلَّطتْ عليك، ولكن ادفع هذا عن نفسك بالإعراض عنها، ولن تؤثِّر على دينك ما دمتَ تكرهها وتَفِرَّ منها، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، ومن الخطأ بل هو كل الخطأ قياس المخلوق على الخالق – أو العكس – فإن الله سبحانه وتعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.

فلا تسترسل مع هذا الوسواس الذي يجُرّك إلى محاولة تكييف صفات الله تعالى وقياسه على صفات المخلوقات، فالله تعالى ليس له كُفؤ ولا نظير، كما أخبر الله تعالى في كتابه، {ولم يكن له كفوًا أحد}، و{هل تعلمُ له سميًّا}، {فلا تضربوا لله الأمثال}، إلى غير ذلك من النصوص الشرعية القاضية بنفي التمثيل والتشبيه لله سبحانه وتعالى بخلقه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنك الشرَّ كله، ويأخذ بيدك إلى الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً