الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي يفضل أولاده الذكور على الإناث ويظلمني بذلك أفيدوني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لدينا قطعة أرض قسمها والدي علينا نحن أولاده وهو على قيد الحياة، وكان تقسيمه للأرض يعتمد على نظام الورث وليس العطية، وأنا فتاة بين خمسة ذكور، فكان نصيبي من الأرض أقل من نصف ما أعطى إخوتي الذكور، أخبرت أبي بأنه ظلمني بهذا التقسيم، ولكنه غضب وكان يريد ضربي، فاحتسبت عند الله، ومازالت مشاعر الحقد تسكن قلبي نحو أبي لأنها ليست المرة الأولى التي يظلمني بها.

والدي يعامل إخوتي الذكور ويميزهم عني في كل شيء، في الطعام وفي اللباس وفي المعاملة وفي المحبة، ودائما يظهر محبته ومشاعره نحو إخوتي ويخبرني بأنه لا يحبني، يعطيهم المصروف ويحرمني منه، سخي بمشاعره نحوهم، فهو يقبلهم ويحتضنهم أمامي، وعندما أنظر إليه يصرخ علي ويقول - اذهبي عن وجهي-.

في الفترة الأخيرة مرض والدي مرضا شديدا، ولم يقف معه إخوتي الذكور، أنا فقط من وقفت إلى جانبه، صرفت عليه أموالي التي ادخرتها من عملي لعلاجه، وشجعته على العلاج، تعبت في تلك الفترة بسبب ضغوط العمل، وأعمال البيت، وتكلفة العلاج، والتنقل من مشفى إلى آخر، كل ما قمت به احتسبت ثوابه من الله وليس من أجل أبي -أقولها صراحة- بعد هذا كله لم أسمع منه كلمة شكر واحدة، بل تقرب من أولاده الذكور بعد أن من الله عليه بالشفاء وتجاهل وجودي.

هل أنا مذنبة لأنني أنثى؟ علما أنني أتفوق عليهم في البر، وأكثرهم خلقا وتعليما، متفوقة في كل شيء على إخوتي، ومع ذلك أجد بأن والدي يحبهم ويكرهني، أصبحت اليوم أحقد على إخوتي، ولا أطيق النظر لهم، علما أنهم يعرفون بأنني أكرههم، دائما أشعر بالتعب النفسي والجسدي، أشعر بالخفقان والصداع في رأسي، أصبحت أميل إلى العزلة والبكاء طوال الليل أحيانا وحتى الصباح، فهل من دواء يفيد لعلاجي، علما أنني لا أستطيع الذهاب إلى الطبيب النفسي خشية من سخرية إخوتي مني.

أفيدوني، ولكم خالص التقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأخت الفاضلة: أقدر لك ثقتك في الشبكة الإسلامية، وأقدر لك اهتمامك بوالدك وعنايتك به في أيام مرضه؛ فهذا منتهى البر من وجهة نظري، وأنت لم تتجاوبي ولم تتخذي القرار السلبي حياله، وهذا يدل على صدق وجدانك وعلى احتسابك الأجر -فبارك الله فيك وجزاك الله خيرا-.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن لا تشعري بأنك مهزومة، ولا تحسي أنك مظلومة أبداً، ودائماً نقول: الإنسان يجب أن يكون على أصوله وعلى مبادئه حتى وإن انجرف أو انحاز الآخرون عن جادة الطريق -فيا أيتها الفاضلة الكريمة- دعي قيمك هي التي تسيطر، ودعي مبادءك السليمة هي التي تقودك، وأنا متأكد أن عملك هذا سوف يقدر ممن حولك حتى من والدك، حتى من إخوتك -فجزاك الله خيراً- وأريدك أن تشعري بنوع من المكافأة الداخلية، واشعري بالمكافأة الداخلية الإيجابية هذا مهم جداً.

أنا لا أراك مريضة نفسيا حتى أصف لك علاجاً مضادا للأمراض النفسية، الذي تمرين به هو نوع من التفاعل الظرفي، هذا نسميه بعدم القدرة على التكيف، عدم القدرة على التواؤم مع وضع يصعب التواؤم معه، فأنا أجد لك العذر، فتفاعلك هذا من حيث القلق التوتر هو تفاعل طبيعي، لكن الأمر لا يجب أن يصل إلى العزلة، ولا يجب أن يصل إلى البكاء، لا، انهضي بنفسك وكوني صاحبة عزيمة، نظمي وقتك، كوني فعاله كما أنت، اجتهدي في تخصصك؛ فالطب مهنة طيبة، ومن خلالها يمكن أن تقدمي الكثير والكثير في آخرتك وفي دنياك، بهذه الكيفية أنا متأكد أنك تستطيعين أن تتكيفي وتتواءمي مع الحياة بصورة أفضل.

مارسي بعض التمارين الرياضية فيها خير كثير لك، احرصي على وردك القرآني اليومي مع أذكار الصباح والمساء، وقطعاً الصلاة في وقتها يجب أن تكون على رأس الأمر، ونحن الآن مقدمون على موسم الخيرات، فأرجو استغلاله والاستفادة منه على أحسن ما يكون.

أيتها الفاضلة الكريمة: بالرغم من اعتقادي أنك لست في حاجة إلى دواء، لكن لا مانع أن تتناولي العقار المعروف باسم ايمتربتالين (تربتازوال)، من محسنات المزاج البسيطة جداً، وأنت تحتاجين له بجرعة بسيطة يحسن من نومك، الجرعة هي 25 مليجراما ليلاً لمدة شهرين، ثم 10مليجرام ليلاً لمدة شهراً، ثم توقفي عن تناوله.

بارك الله فيك وجزاك الله خيراً، وسوف يفيد -إن شاء الله تعالى- الشيخ الدكتور/عقيل المقطري على الجوانب الشرعية المتعلق بهذا الأمر.
++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة: د. محمد عبد العليم .... استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.

تليها إجابة: د. عقيل المقطري .... مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
++++++++++++++++++++++++++++

القسمة الشرعية تقتضي أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا يعني أن الأب إذا أراد أن يعطي عطاء لأولاده فالعدل يكمن فيما ارتضاه الله وشرعه في ذلك، فالأرض التي قسمها والدكم كان يفترض أن تقسم إلى أحد عشر قسما لك قسم واحد ولإخوانك من قسمين.

لا يجوز لك أن تحملي في قلبك كرها لوالدك مهما فعل، سيبقى والدك له كل حقوقه وإن قصر في حقك، ولكن يجوز لك أن تكرهي أفعاله المخالفة للشرع، والأولى برا بوالدك أن تسامحيه في ذلك كله ابتغاء وجه الله.

احذري من أن يفرق الشيطان بينك وبين إخوانك بسبب أمور دنيوية، فالمال يمكن أن يعوض، أما الأبوة والأخوة فلا يمكن، ولا ذنب لك في أنك خلقت أنثى، بل تلك حكمة الله تعالى وله الحكمة البالغة سبحانه.

اعتناؤك بوالدك وإنفاقك عليه عبادة من أجل العبادات، فاحتسبي الأجر عند الله ولا تنتظري منه مكافأة ولا ثناء، وستجدين بركة ما قمت به في حياتك عاجلا أو آجلا، ولن يضيعك الله، صحيح أن قلبك يحترق نتيجة تصرفات والدك، لكن إياك أن تبوحي بذلك له فيغضب.

نقي قلبك من الحقد على والدك وإخوانك، واصبري فالصبر عاقبته حميدة، قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، فجاهدي نفسك في الإحسان لوالدك وإخوانك فالله معك ناصرا ومعينا وثبتا، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

مهما ابتعد والدك وإخوانك منك فاقتربي منهم واخدميهم، فلعل الله يقذف في قلوبهم محبتك واحترامك، ويشعرون بأنهم أخطؤوا في حقك فيأتون إليك معتذرين.

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وكشف الضوائق كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

اجعلي لنفسك وردا من القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

نسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في حياتك.

أسأل الله لك التوفيق والسعادة وأن يرزقك بر والدك وأن يؤلف بين قلوبكم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً