الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رأيت أني تزوجت شخصا عنده بنات، ورأيت بحرا مقسوما، ما تأويل رؤياي؟

السؤال

السلام عليكم.

العمر: 29, عزباء, لا أعمل, ملتزمة دينيا.

رأيت في منامي شخصا اسمه (نور الدين) وهذا الشخص أعرفه من بعيد، ولا صلة لي به، ولم أره منذ أكثر من (10) سنوات، رأيت أني تزوجت هذا الشخص، وعنده (3) بنات -أطفال وجميلات-.

في البداية قلت: لا أستطيع تربية (3) بنات، هذا صعب جدا، ولكن بعدها قلت: عادي، فهن أيتام، وهذا سينفعني فيما بعد.

ورأيت بحرا، وكأن أحدا يقول لي: انظري، هذا البحر جميل، فاقتربت من البحر، وكأنه مقسوم لأجزاء, جزء منه فيه صخور، وجزء منه هادئ جدا، وجميل جدا، وصاف.

ملاحظة: في الأيام التي رأيت فيها الرؤيا كنت عاتبة جدا على الله، وأشعر بأن الله لم يساعدنِ؛ لأني منذ ولادتي إلى يومي هذا وأنا أعاني من الهم، ودعوت الله كثيرا طالبة الفرج، ولكن إلى الآن لم تفرج، ولكني رغم هذا مؤمنة، وعلى ثقة بالله.

شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

خيرا رأيت، وخيرا يكون إن شاء الله.

بداية -الأخت الفاضلة-: ينبغي أن نعلم أن محبة الله لعبده ليست في العطاء وحده، بل قد يكون من علامة الحب منع العبد مما يشتهيه، فالله يحمي عبده من الدنيا وهو يحبه، كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب وهو يحبه، فعن قتادة بن النعمان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا، كما يحمي أحدكم سقيمه الماء).

ومثاله: أن يكون للرجل عبدان صغيران، يبغض أحدهما ويحب الآخر، فالذي يحبه يمنعه من اللعب، ويلزمه المكتب، ويحبسه فيه؛ ليعلمه الأدب، ويمنعه من الفواكه، وملاذ الأطعمة التي تضره، ويسقيه الأدوية التي تنفعه، والذي يبغضه يهمله؛ ليعيش كيف يريد، فيلعب، ولا يدخل المكتب، ويأكل كل ما يشتهي، فيظن هذا العبد المهمل أنه عند سيده محبوب كريم؛ لأنه مكنه من شهواته ولذاته، وساعده على جميع أغراضه، فلا يمنعه، ولم يحجر عليه، وذلك محض الغرور.

فما من نعمة من هذه النعم الدنيوية إلا ويجوز أن تصير بلاء، وما من بلاء إلا ويجوز أن يصير نعمة، فرب عبد تكون الخيرة له في الفقر والمرض، ولو صح بدنه، وكثر ماله؛ لبطر وبغى، قال الله تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض} وقال تعالى: {كلا *إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى}.

والمغرور إذا أقبلت عليه الدنيا ظن أنها كرامة من الله، وإذا صرفت عنه ظن أنها هوان، كما أخبر الله تعالى عنه إذ قال: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن}، فأجاب الله عن ذلك: {كلا} أي ليس كما قال، إنما هو ابتلاء، نعوذ بالله من شر البلاء، ونسأل الله التثبيت، فبيّن أن ذلك غرور، قال الحسن: كذبهما جميعا بقوله {كلا}، يقول ليس هذا بإكرامي، ولا هذا بهواني، ولكن الكريم من أكرمته بطاعتي، غنيا كان أو فقيرا، والمهان من أهنته بمعصيتي، غنيا كان أو فقيرا.

قال الفضيل بن عياض: "إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَزْوِي الدُّنْيَا عَنْ وَلِيِّهِ وَيُمَرِّرُهَا عَلَيْهِ مَرَّةً بِالْعُرْيِ، وَمَرَّةً بِالْجُوعِ، وَمَرَّةً بَالْحَاجَةِ، كَمَا تَصْنَعُ الْوَالِدَةُ الشَّفِيقَةُ بِوَلَدِهَا مَرَّةً صَبْرًا، وَمَرَّةً حُضَضًا، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ".

وقد كان السلف يفرحون بالبلاء كما نفرح نحن بالنعمة، قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لَيْلَةً: أَجَعْتَنِي وَأَجَعْتَ عِيَالِي، وَأَعْرَيْتَنِي وَأَعْرَيْتَ عِيَالِي، وَلِي ثَلاثَةُ أَيَّامٍ مَا أَكَلْتُ وَلا أَكَلَ عِيَالِي، وَلِي ثَلاثُ لَيَالٍ مَا اسْتَصْبَحْتُ؛ فَبِمَا بَلَغْتُ عِنْدَكَ حَتَّى فَعَلْتَ بِي هَذَا، وَإِنَّمَا تَفْعَلُ هَذَا يَا رَبِّ بَأَوْلِيَائِكَ، أَفَتَرَانِي أَنَا مِنْهُمْ؟ اللهُمَّ إِلَهِي! إِنْ فَعَلْتَ بِي هَذَا يَوْمًا آخَرَ عَلِمْتُ أَنِّي مِنْكَ عَلَى بَالٍ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الرَّابِعِ؛ فَإِذَا دَاقٌّ يَدُقُّ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَإِذَا مَعَهُ صُرَّةُ دَنَانِيرَ، وَكِتَابٌ يَذْكُرُ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ وَجَّهْتُ بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَجَعَلَ فُضَيْلٌ يَبْكِي وَيَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ أَكُونَ عِنْدَ اللهِ بِمَنْزِلَةِ أَوْلِيَائِهِ.

عن الْحَسَنَ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا مَرَّ بِهِ عَامٌ لَمْ يُصَبْ فِي نَفْسِهِ, وَلَا مَالِهِ، قَالَ: مَا لَنَا أَتَوَدَّعَ اللهُ مِنَّا؟.
وقال إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَوْلِدِ: دَخَلْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئِ، وَقَدْ رَفَسَتْهُ بَغْلَتُهُ فَكُسِرَتْ رِجْلُهُ، فَقَالَ: "لَوْلَا مَصَائِبُ الدُّنْيَا قَدِمْنَا عَلَى اللهِ مَفَالِيسَ".

فلا تعتبي على ربك، واحمديه على إنعامه، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ) و(يُبْتَلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان فى دينه صُلْبًا اشتد بَلاَؤُهُ، وإن كان فى دينه رِقَّةٌ ابْتُلِىَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يَتْرُكَهُ يمشي على الأرض وما عليه خَطِيئَةٌ) و(إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)، فما أنت فيه من دلائل المحبة والقرب.

وأما ما رأيت في منامك، فخيرا رأيت، وخيرا يكون، فالرؤيا تبشر بزوج فيه صلاح ودين، وهو واضح جدا في حياته، ويعينك على دنياك وآخرتك، وهو رجل ثري تفتح عليه الدنيا، ويكثر خيره.

والبحر المنقسم أيضا رجل عظيم، يلبس لكل حالة لبوسها، وحالته معك ستكون هادئة، وهو في حياته العملية صلب يهابه الناس.

يسر الله لك الخير حيث كان، ورضاك بقضائه وقدره، وبلغك من الخير ما تقر به عينك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً