الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طيبتي الزائدة سبب استغلال من حولي لي، فكيف أتجنب حدوث ذلك في المستقبل؟

السؤال

السلام عليكم..

أنا شاب في العشرينيات من عمري، وأستكمل دراستي في الخارج مع مجموعة من الطلاب من نفس بلدي، نعيش معا في نفس السكن.

مشكلتي هي في تعاملهم معي، ﻻ أحسهم يتعاملون معي كشخص كما يتعاملون مع بعضهم البعض، وتعاملهم أحيانا يكون معي سيئا للغاية، لا يستشيرونني بشيء، يقاطعونني كثيرا عندما أتحدث، لا يجيبوني عندما أسألهم سؤالا، أحيانا أتعرض للإهانة، ويقفون ضدي في كثير من المواقف، لنقل إنهم لا يحبونني كما هو ملحوظ، مع أنني أحب أن أعيش معهم، ولطالما فعلت خيرا لهم عندما يحتاجون، ولم أفعل سوءا لأحدهم قصدا.

راجعت نفسي كثيرا لماذا يحدث معي ذلك؟ أنا شخص لست مختلفا عنهم، فلماذا ذلك؟

الحمد لله أنني تربيت محافظا على الصلاة، وعلى صيانة واحترام الناس، وعلى عدم الإساءة لهم، وعدم كشف وفضح أخطاء تقع لهم أمامي، ولكنني أحيانا أكره حالي هذا الذي يحدث معي، نظرا لأنهم ليسوا هم أول من يفعل ذلك معي، كما أنني أكره نفسي بسبب عدة مصائب حدثت لي في الماضي، ولا أعرف أيضا لماذا لا أشعر بحزن وقهر أحيانا؟ لكنني لست ممن يسمح بذلك أن يدوم، ولست كمن يهين نفسه أو يغير من نفسه كما يرغبون حتى يحبونه، فهم ليسوا بشيء مختلف أو مميز في النهاية، لكن كيف يمكنني أن أتجنب حدوث ذلك في المرات القادمة، وأن أتجنب طيبة القلب الزائدة عن اللزوم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنت ارتضيت لنفسك أن تكون وسط هؤلاء الشباب، ولابد أن يكون هنالك ما جذبك نحوهم، ارجع لذاكرتك لأيامك الأولى معهم، وأنا لا أريدك أن تُحاسب نفسك بقسوة، أنت ذكرت أنك قد راجعتَ نفسك كثيرًا لما يحدث معك، وأتمنى أن تشمل هذه المراجعات جانبك أنت، هل أنت بالفعل شخص غير محبوب؟ هل أنت ترتكب أخطاء؟ هل أنت لا تُوافق مزاج الآخرين؟

وهكذا اسأل نفسك هذه الأسئلة، دون أن تنتقد نفسك، دون أن تجلد نفسك وتلومها، والإنسان يمكن أن يُصحح مساره إذا اكتشف أن مساره خاطئ، فالأمر يحتاج منك لمراجعة فيما يتعلق بذاتك، وإن وجدتَّ أنك لست مُخطئًا وأن تصرفاتك سليمة معهم، سِرْ في نفس الطريق، ولا تعبأ لمشاعرهم أو معاملتك معهم، أنت يمكن أن تفرض ذاتك من خلال أفعالك الحميدة، من خلال صمودك، من خلال شخصيتك، وحاول أن تقبلهم كما هم لا كما تُريد، نحن لا نستطيع أن نغيِّر الناس دائمًا.

أنا أعتقد أنك تستطيع أن تُغيِّر نفسك، لكن سيكون من الصعب أن تُغيِّر هؤلاء، تودد إليهم، كن دائمًا صاحب مبادرات إيجابية، ولا تأخذهم جملة، مثلاً ابدأ بأقرب هؤلاء الشباب الذي ترى أنه يمكن أن يتغيَّر، وهذا لا يعني أنك تريد أن تبني أحلافًا داخل هذه المجموعة، أو أنك تريد أن تتآمر على بعضهم، لا، أبدًا، إذا استلطف إنسانًا مُعيّنًا منهم أو تراه أكثر حكمة ونضوجًا اجلس معه، حتى يمكن أن تُفاتحه، والمفاتحة والكلام وتجنب الاحتقان الداخلي فيه نوع من التفريغ النفسي العظيم، ويمكنك أن تسأله بخصوصية شديدة، اسأَلْه إن كان لديك عيب؟ إن كان هناك مشكلة في سلوكك، في تصرفاتك؟ ما هو المطلوب منك؟ كيف تعامل هؤلاء الشباب؟ هذا أمر جيد جدًّا، بل فيه نوع من المبادرة الحسنة والجيدة من جانبك. أعتقد أن هذا هو المنهج الصحيح.

أنت ذكرتَ شيئًا آلمني كثيرًا، وهو أنك تكره نفسك، لا، كيف تكره نفسك؟ الإنسان لا يملك أفضل من نفسه، ومحبتنا لأنفسنا تُعلمنا حب الآخرين وحب الأشياء، من يكره نفسه يكره كل شيء، لا يُحبَّ الآخرين، ولا يُحبّ حياته، ولا يُحب مستقبله، لا، ابدأ بحب نفسك حبًّا متوازنًا، واعرف أن الله تعالى قد كرَّمك، واعرف إيجابياتك وابنيها وطوّرها، ولابد أن تضع خارطة لما تريد أن تقوم به في المستقبل: التحصيل العلمي، التميز، الحرص على الدين، الزواج، تطوير المهارات في العمل، بر الوالدين، هذا كله مطلوب، وكله يُساعدك إن شاء الله تعالى لأن تبني مشاعر جديدة عن نفسك.

أنا أعتقد أيضًا أنك محتاج للرياضة، الرياضة فيها متنفّس جميل للنفس، كل هذه الاحتقانات والاحتشاء الشديد فيما لا يُرضيك يمكن أن يتم تنفيسه من خلال الرياضة، وقد أُثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الرياضة تؤدي إلى تطوير النفوس وتطوير المهارات وترميم الدماغ، وهذا يتطلبه الناس عمومًا.

أيها الفاضل الكريم: نقطة أخيرة: احرص على أمور دينك، أدِّ صلواتك، اتلُ شيئًا من القرآن يوميًا، عليك بالأذكار –خاصة أذكار الصباح والمساء–، ويمكن أن تكون قدوة لهؤلاء الشباب، وهذا سوف يُضيف كثيرًا إلى رصيدك، بل يجلب محبتهم لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً