الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من سرحان غريب وبناء قصص خيالية وأتفاعل معها

السؤال

السلام عليكم

لا أعرف كيف أصف لكم الأمر، حيث إنني أعاني من سرحان غريب، وبناء قصص خيالية والتفاعل معها، فتجدني أضحك تارة ضحكا هستيريا، وتارة تدمع عيني حزناً على القصة، حتى أن البعض بدأ يشكك بقواي العقلية.

في العادة الناس تسرح في أشياء واقعية تشغل تفكيرهم، لكن سرحاني خيالي بشكل كبير ترتبط به بعض الشخصيات الواقعية بالاسم فقط، لكن عدا ذلك كله خيالي.

أحياناً كثيرة أنسى المحيط الذي من حولي تماماً، وأعيش تلك القصة الخيالية، ومرة فكرت بالانتحار من قصة خيالية!، حيث إنني سرحت وبنيت قصة خيالية أثناء القيادة.

تفاعلي مع القصص الخيالية غريب فعلاً وكأنها واقع، وكذلك لا أستطيع التركيز في شيء واحد مدة طويلة، فعند التفكير في شيء واحد فقط تداهمني مجموعة أفكار واحتمالات متعلقة به دفعة واحدة، فتجدني أفكر في أشياء هامشية + احتمالات بعيدة، وأهمل الشيء الرئيسي، وأواجه مشاكل عديدة في المحاضرات الجامعية وقراءة الكتب، أو حتى استيعاب فكرة أو رأي طويل.

لأختصر عليكم: سرحان بقصص خيالية + عدم القدرة على التركيز في شيء واحد + ذاكرة ضعيفة جداً + مشاكل في تقدير الأطوال والأبعاد كأبعاد السيارة، رغم أنها لدي منذ 7 سنوات + مشاكل في ربط الأفكار في عقلي.

لا أعاني من الاكتئاب، حياتي مرفهة، وأعمل في وظيفة مرموقة –والحمد لله-، لا أعاني من أمراض عضوية ( حسب علمي ).

لا أذكر أنني تعرضت لصدمات نفسية، ولا آخذ أية أدوية، ولا أعلم إن كانت هذه المعلومة ستفيدكم أم لا، لكنني أعاني من العين الكسولة في عيني اليسرى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

سبحان الله، وهل يستطيع الإنسان التوقف عن التفكير والتخيّل؟! لا شك أن هذا من المستحيلات، فالذي لا يفكر ولا يتخيّل إنما هو ميّت أو مغمى عليه!

الخيال شيء رائع، والله تعالى لم يخلقنا قادرين على هذا التخيّل إلا لفائدته لنا، فكيف يمكن أن يعيش الإنسان لولا فسحة الخيال، فحقائق اليوم خيالات الأمس، وخيالات اليوم حقائق الغد، كما يقولون.

ولكن وككل شيء آخر في هذه الحياة، لا بد من التوازن، وما زاد عن حده انقلب إلى ضده!

لا شك أنك في الطفولة قد احتجت لمثل هذه التخيلات، فلا شك أن هذا ساهم في تكوين شخصيتك وقدراتك التي هي عندك الآن، والجيد أيضا أنك منتبه لضرورة التغيير كي لا تستغرق كثيرا في أحلام اليقظة، ولذلك كتبت لنا بهذا السؤال.

لا شك أن طبيعة طفولتك والتربية والتعليم الذين تلقيت ربما يفسران زيادة ميلك إلى هذا الخيال.

وأظنك تعلم الخطوة السليمة المطلوبة ليس بقطع العلاقة مع هذه الخيالات، وإنما تغييرها لشيء آخر، والسير إلى أمر آخر في حياتك، ولكن يفضل الآن السير والنظر في طرق أخرى.

ولكن المشكلة ربما، أنك تحرص جدا على ترك هذه الخيالات، وأحيانا عندما نحرص كثيرا على نسيان أو تجاوز شيء ما فإننا بهذا الحرص الشديد إنما نعزز تذكره وبقاءه في أنفسنا.
فمثلا ماذا ستتخيل إذا طلبت منك أن لا تفكر أو تتخيل حصانا أزرق اللون؟ فلا شك أنك لن تتخيل وتفكر إلا بالحصان الأزرق اللون!

لا أنصح بأن تضع لنفسك هدف الامتناع الكلي عن عالم الخيال، فالأمر مستحيل أولا ولن تستطيعه ولو أردته، وستشعر بالانتكاس في أقرب وقت، وكما حدث معك ربما العديد من المرات، مما قد يؤثر سلبيا عليك وعلى نفسيتك.

من الواضح أنك قد انتبهت مؤخرا لمضار الكثير من عالم الخيال والابتعاد عن الواقع، ومما سيعينك على التخفيف من الخيالات هو ملء حياتك بالأحداث الواقعية من خلال الخروج من عزلتك في عالم الخيال، والاختلاط أكثر بالناس والواقع، ولا شك أن هذا سيتحسّن مع الوقت، فاحرص على اتباعه.

وصحيح أنك ذكرت بأنه لا يبدو أنك تعاني من مرض عضوي أو تتناول الأدوية، إلا أن هناك احتمالا أن وراء هذا الميل للخيال شيء من الهروب من الوقع أو الخجل أو الارتباك الاجتماعي، فانتبه أن لا يدفعك هذا الخجل أو الارتباك للانسحاب من الأنشطة الاجتماعية ومن لقاء الناس، والهروب في عالم الخيال، فهذا التجنب لا يحل المشكلة وإنما يعقـّدها ولحد أنه قد يصل لدرجة الخجل الاجتماعي، والذي لا يبدو أنه موجود الآن، ولكن انتبه لهذا.

قد تستغرب، عندما أقول لك بدل الامتناع عن التخيل أن تستغل هذه القدرة على التخيل بمحاولة الإبداع كالتأليف والكتابة، فكم نحن في حاجة في عالمنا العربي والإسلامي إلى الكتاب المبدعين، وربما وراء قدرتك على التخيل موهبة متوقدة تحاول أن تخرج للواقع، فاحرص على رعايتها وتوجيهها.

ولكن إن استمر الحال وزاد الانزعاج فأرجو أن لا تتردد في زيارة العيادة النفسية.

أرجو أن يكون في هذا ما يعينك، وأن يحفظك الله ويرعاك، وينفع بك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً