الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم الزواج، وإساءة الأقارب، والغربة، سببت نوبة الهلع لدي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عمري 33 عاما، كتب الله لي منذ الصغر العيش في الغربة عن الوطن، وعانيت من صغري ألم التفرقة والمعاملة العنصرية، ولم أذق طعم الحياة في الوطن يوماً، إضافة إلى أن الله لم يكرمني بالزواج، ولا بالعمل بتخصصي الجامعي حتى الآن، أعيش وحيدا، وأعمل بوظيفة دون تخصصي، وذلك لأني أجنبي.

عانيت من الاكتئاب طويلا، واستخدمت دواء لوسترال طوال 6 سنوات، بعيارات مختلفة، كان آخرها عيار 25ملجم، ثم توقفت عن استخدامه منذ حوالي شهر.

أصبت من حوالي 8 أشهر بنوبة هلع، نتيجة الحنق وكتمي للغضب، كانت أول مرة أصاب بهذا الشعور، هرعت للمستشفى، وتم عمل تخطيط قلب EKG، وأخبروني أن ما حصل معي كان نوبة هلع، وبعدها لم أعد كما كنت أبدا، أصبحت أشعر بالخفقان بشكل دائم، وأحيانا بنقص أو زيادة النبض -خوارج نبض- بالإضافة إلى الغثيان، وانقباض المعدة والمريء، وانقباض الصدر.

ذهبت بعدها بشهر إلى المستشفى مجددا، وعملت تحاليل دم كاملة، وتخطيطا وفيديو للقلب، وتأكدت من سلامة القلب، ورجع الأمر للحالة النفسية.

والسبب في تدهور حالتي النفسية هو عدم التوفيق في الزواج والعمل، وكذلك اضطراري للاحتكاك بأناس مزعجين -معظمهم أقارب-، ساعدتهم كثيرا، وبعدها ندمت على مساعدتي لهم، حيث أنهم من النوعية التي تطلب المساعدة، ثم تتعمد الإساءة، وذلك غالبا لشعورهم بالنقص، وحاجتهم للمساعدة، وتكبر ومرض نفوسهم، والمصيبة أنني أتذكر إساءتهم باستمرار، أدعو عليهم، وأسأل الله أن يجيرني في مصيبتي ويخلفني خيرا منها، أحاول تجنبهم قدر المستطاع، ولكنهم دائما يتحينون الفرص للإساءة، ولا يتحرجون أبدا من طلب المساعدة مرة أخرى، لا أستطيع نسيان الإساءة أبداً، وهذا يعكر حياتي كل يوم وكل لحظة، إلى جانب تأخري في الزواج والعمل وتكوين النفس.

حاولت إشغال نفسي بأمور أخرى، والاختلاط بأناس آخرين، ولكن ما إن أعود لوحدتي حتى تأتيني أفكار الإساءة هذه، أفكر كم هم أناس سيئون، وكيف شعرت بالأذى من تعاملي معهم، وكم أكرههم وكيف سأتصرف في المرات المقبلة عندما تتكرر إساءتهم، ثم أبدأ بتحسس نبض القلب -الذي يكون محسوسا بسبب انقباض أعلى صدري-، وألاحظ تلك النبضة الزائدة التي غالبا ما ألاحظها، ثم أتجشأ وكأن سببها ضغط الغازات على القلب، فأبدأ بالتخوف على صحتي، ومن ثم أدخل في دوامة من التفكير السلبي حتى يحين وقت النوم.

والنوم مصيبة أخرى، فأنا لا أذكر متى كانت آخر مرة نمت فيها نومة عميقة، واستيقظت نشيطاً، أنام متوتراً مشدوداً، أستيقظ منهكاً مهما طالت أو قصرت ساعات النوم.

أرجو منكم النصح والعون، وفقكم الله لكل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الغربة طبعًا لها صعوباتها، ولها مشاكلها، وهناك أشياء يدفعها الشخص، وكما ذكرت تعرَّضتَّ لتفرقة عُنصرية، وتعرَّضتَّ لمشاكل في العمل، وهذه ضريبة يدفعها كل من اغترب عن وطنه، حتى وإن كان الوطن البديل أفضل ومُتقدِّم، فإنه مجرد الإحساس بأنك لست في بلدك وأنك مواطن من الدرجة الثانية، يترك آثارًا سلبية على الشخص، وقد أثبتت معظم الدراسات زيادة الأمراض النفسية الاضطرابات النفسية عند المهاجرين.

المهم في موضوعك - يا أخي الكريم - ما ذكرته في الجزء الثاني من استشارتك: ليس الألم ألم الغربة فقط، ولكن المشكلة هي في أنك لم تجد الدعم الكافي من ذوي القُربى والأهل، وهذا دائمًا يُحدث تعويضًا في الغربة، دائمًا لو لاحظتَ أن المهاجرين يسكنون في مناطق قريبة من بعض لدعم بعضهم بعضًا في غربتهم، ولكن للأسف الشديد أنك بدلاً من أن تجد دعمًا من الأقارب أساءوا إليك - كما ذكرتَ - وهذا زادك ضيقًا وغضبًا وحُمقًا، ممَّا أثَّر على صحتك النفسية.

الأخ الكريم: يجب عليك أن تتوقف عن التفكير في إساءات الأقارب بقدر المستطاع، وأن تحتسب كلَّ شيءٍ فعلته معهم لله، فهذا يُريحك، احتسب هذا العمل لله، و-إن شاء الله- سوف تجد جزائه آجلاً أم علاجًا، هذا من ناحية عامَّة.

من ناحية أخرى: يجب عليك أن تميل إلى فعل الأشياء التي تؤدي إلى الاسترخاء، مثل الرياضة، خاصة رياضة المشي، والهوايات المختلفة، املأ وقتك بهوايات مختلفة حتى وإن كنت لا تعمل في مجال عملك، فهذا لا يمنع من أن تُتقن عملك، وأن تسعى دائمًا لمحاولة الحصول على عملٍ في مجالك، وأن تُحسِّن فرصك في الوصول لهذا العمل، إمَّا بدراسات أو كورسات، أو حتى اطلاعات من خلال الشبكة العنكبوتية، كل هذه الأشياء تفيد في الحصول على العمل وفي تحسين الفرص، وأهم شيء هو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والمحافظة على الصلاة وقراءة القرآن والدعاء، أكثر من الدعاء، أكثر من الدعاء، فإنه مهم جدًّا للراحة النفسية، ومهم جدًّا لتلبية الحوائج وتحقيق مراد الإنسان.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر أبو سفيان الجزائري

    بارك الله فيك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً