الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما تقدم لي خاطب رفضته أو تراجع بنفسه، فما سبب ما يحدث لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم كثيرا على فتح هذا المجال للاستشارات، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد.

أنا فتاة عمري 25 سنة، على قدر من الجمال والأخلاق، ملتزمة بالحجاب الشرعي، تخرجت في الجامعة، وبعدها التحقت بجمعية لتحفيظ القران، وذلك لتعلقي الكبير بكتاب الله ورغبتي بحفظه، وفعلا وفقت لذلك -بعون الله-، وحفظت نصف القرآن، وكنت أجيد التلاوة، وأساتذة الجمعية يثنون علي كثيرا، لكني بدأت بالتراجع شيئا فشيئا؛ بسبب انشغالي، وكثرة تفكيري بعدم توفيقي في الزواج، بالرغم من كثرة الخطاب، إلا أنني في كل مرة لا أوفق، إما بسبب رفضي؛ لشعوري بالضيق، أو لانصراف الخاطب، وبعدها أشعر بحالة من الضياع والندم والحسرة.

بدأت برقية نفسي، وذلك بقراءة الأذكار الشرعية، وكنت دائما ألجأ إلى الله بالدعاء والأعمال الصالحة، وفي المرة الأخيرة حلمت بأن شابا وهو صديق أخي قام بقص شعري، ففزعت كثيرا، ومرت الأيام حتى تقدم لخطبتي، فقررت أن أوافق عليه؛ لأنه صاحب دين وخلق، معروف لدى جميع الناس بحسن سيرته، فعزمت على الأمر، وصليت الاستخارة، لكن الأمور لم تتيسر، وانصرف هذا الشاب، وعرف الناس بأمري، فشعرت بالضيق؛ لأني تعلقت بهذا الشاب كثيرا.

أصبحت لا أحب الخروج من البيت، ولم أعد أرغب بالحديث مع أي شخص، وحالتي تزداد سوء، فبماذا تنصحونني -بارك الله فيكم-؟ هل ما يحصل لي هو من أثر العين أو السحر؟ بالرغم أنني لا أفكر في ذلك، ولكن العين حق، ومعظم أقاربي نصحوني باللجوء إلى الرقية، فارشدوني -بارك الله فيكم-.

وعذرا على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنني أحس بمعاناتك خاصة ألسنة الناس التي لا تترك أحدا يهدأ، وما أن تسمع بخبر حتى تطير به هنا وهناك، من الطبيعي جدا رغبتك في الزواج لإشباع عواطفك المختلفة، وخوفك من مرور العمر.

الانعزال ليس حلا لمشكلتك، فذلك سيزيدك هما إلى همك، فلا بد أن تعودي لحلقة تحفيظ القرآن الكريم لما فيه من الأجر العظيم، ولعلك تدركين ثواب من ذهب ليتعلم آية من كتاب الله، فكيف إن حفظ القرآن، ولأن في ذلك ملء وقت فراغك وزيادة في إيمانك، ويكسبك صديقات صالحات.

من خلال تمعني في قراءة استشارتك أرجح أنك بحاجة إلى رقية شرعية، خاصة وأنك تشعرين بالضيق والتفكير والخوف الزائد حين يتقدم لك شخص، وينتهي ذلك برفضك أو انصراف الخاطب، ثم يعقب ذلك ندم شديد، فهذا الأمر غير طبيعي، بل يدل على وجود أمر ما، إما سحر أو حسد، ينبغي أن تبحثوا عن راق أمين وثقة؛ ليرقيك ويكون ذلك بحضور أحد محارمك.

ما حل بك ماض وفق قضاء الله وقدره، وكل أمور الكون تسير وفق ذلك، كما قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، فارضي بقضاء الله وقدره، ولا تتسخطي لأن من رضي فله الرضا ومن تسخط فله السخط.

ما ينزل من بلاء بالعبد إلا بسبب ذنوبه، كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، وقد يكون ابتلاء من الله تعالى، كما قال: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).

اجلسي مع نفسك جلسة محاسبة ومصارحة ،وفتشي صفحات حياتك، فلعل ذنبا حصل منك ولم تستغفري الله منه، وأنا هنا لا أتهمك بشيء، وإنما من باب محاسبة النفس، وكلنا أصحاب ذنوب، وخاصة الغيبة والنميمة، أو عقوق أحد الوالدين، أو قطيعة الأرحام، فإن وجدت شيئا من ذلك، فبادري بالتوبة، ما يصاب العبد بنصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كتب الله بذلك أجر كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.

المؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن).

احرصي على أن يكون شريك حياتك صاحب دين وخلق، فتلك أهم الصفات التي ينبغي أن تتوفر فيه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان.

إن تقدم لك شخص بالمواصفات المطلوبة فصلي صلاة الاستخارة، وادعي بالدعاء المأثور، ووافقي متوكلة على الله، فما خاب من استخار وما ندم من استشار، واختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه، ولن يختار الله لك إلا ما فيه الخير.

ينبغي أن تحافظي على أذكار اليوم والليلة، ففي ذلك حصن لك ووقاية من كل شر، الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي ذلك تفريج الهموم وكشف الكروب وغفران الذنوب، كما قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسليه من فضله، قولي (اللهم إنك مليك مقتدر وإن أدرت شيئا يكون، اللهم اذهب عني ما أجد وارزقني زوجا صالحا)، وأكثري من دعاء ذي النون فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

نسعد كثيرا بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يذهب عنك ما تجدين، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً