الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجي لا زال يحادث فتاة كان يريدها قبل زواجي به، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم..

أنا متزوجة منذ سنة ونصف.

بداية زواجي أخبرني زوجي عن فتاة كان يحبها لـ 5 سنوات، وأنه كان يريد الزواج بها، لكن أهله لم يوافقوا على زواجه منها، وقد حاول إقناعهم لكنهم رفضوا.

وبعد فترة تزوجني باختيار أهله، مع العلم أنني صغيرة في السن، وفي بداية الزواج كنت لا أعلم في أمور البيت كثيرًا، وكان زوجي يتأفف مني دائمًا ويلمح لي أنه ليس مرتاحا معي، وأنني لست كما يرغب هو، وأن الفتاة التي أراد الزواج بها كانت تفهم في أمور البيت كثيرًا، وكنت أشعر بالمقارنات كثيرًا، ورغم ذلك كنت أحاول التغاضي، وأن أبذل جهدي لإسعاده، وحملت وأنجبت طفلا.

اكتشفت مؤخرًا أنه كان يحادث الفتاة طيلة فترة زواجنا، وكان ينفق عليها، وبماله عمل لها مشروعا صغيرا، تضايقت كثيرًا عندما علمت، تحدثت معه بحكمة وهدوء، وعدني أنه لن يحادثها.

مرة أخرى اكتشفت أنه لا زال يحادثها، وحلف لي بالقرآن أنه لن يحادثها مرة أخرى، بعد فترة اكتشفت أنه لا زال يحادثها، وقد خيرته وقتها إما أنا أو هي، ووعدني أيضًا أنه سيكف عن محادثتها، لكن أنا فقدت الأمان مع زوجي، وأريد حلا، ماذا أفعل؟

لا أستطيع أن أشعر بالراحة والاستقرار وأنا معه، أشعر بالشك والقلق الدائم، وهو يبرر لي أنه يساعدها لظروفها المادية الصعبة، وتحدثت مع زوجي لأجل أن أعلم ما هي ظروفها المادية، وهل هي فقيرة لأجل ذلك يساعدها؟ وأجابني بالعكس أن الفتاة من عائلة جدًا غنية، ودائمًا تسافر مع أهلها للخارج، وتعيش في بيت فخم جدًا، لكن بسبب أنها لا تستطيع دائمًا الحصول على المال من أهلها لشراء الكماليات لنفسها؛ لذلك زوجي ينفق عليها.

وأنا أشعر أنه ليس من المنطق أن يساعد فتاة لا تستطيع توفير الكماليات لنفسها، بينما هناك فقراء المسلمين المحتاجين الذين لا يجدوا لقمة العيش، وأيضًا زوجي قال لي مرة من المرات: أن عليه أن يفعل كل ما بوسعه لإسعادها ولتعويضها بتضرر نفسيتها عندما لم يتزوجها، وهو يقول أنها متعلقة فيه جدًا، وهو وعدها أنه لن يتخلى عنها أبدًا، وسوف يقف بجانبها دائمًا. والله هذا الكلام قاله هو بنفسه لي.

أشعر بخيبة أمل كبيرة! ولا أعلم ماذا أفعل؟ بالرغم أنه الآن يقول لي أنه لا يحادثها، وإن تحدثا سوف يجعلني أرى المحادثة، وأنا أشعر أنه يقول لي هكذا فقط لتهدئتي، وأنهم إذا فعلًا تحدثا لن يقول لي بالطبع!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Barbie حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

واضحٌ -أختي الكريمة- أن زوجك ما زال متعلقاً بالفتاة الأولى كما هي متعلقة به، وأنك الآن في أزمة وتحدٍ كبير، فكل من فراقك له وبقائك معه صعب على نفسيتك، مما يوجب عليك عدم الاستسلام لهذا الواقع، وعدم القبول بتركه في هذا المستنقع الآسن والآثم، وهي مهمة كبيرة، وذلك من باب الرفق به ومعالجته من مرضه، فهو من جهة يحتاج إلى الشفقة به، ومن جهة يحتاج إلى الحزم معه.

واعلمي أنه لا يلزم من محبته لها ألا يكون محباً لك أو غير مخلص معك، لكنه فقط لا يستطيع نسيان المرأة الأولى التي تسيطر على فكره وعاطفته، ويعجز عن طردها من ذاكرته، إلا أنه بالصبر والاجتهاد يمكنك أن تتجاوزي هذه المحنة كما تجاوزتها كثيرات غيرك -بإذن الله تعالى.

فالواجب عليك إذن يتلخص في مهمة:
كيف تنسيه الفتاة الأولى التي تطارد حياته، والتي يخشى أن تتطور علاقته معها إلى ما لا يجوز شرعاً، وذلك بالقيام بالواجبات الآتية:

1) احرصي على لزوم الصبر والإصرار على أن تكوني الأولى بل الوحيدة في قلبه وعقله، وهو أمرٌ ليس باليسير، وذلك بتوفير الثقة بنفسك أولاً، ذلك أن زوجك بطبيعة العيش معك والمعرفة لك أدرك منك عيوباً لا تخلو منها أي زوجة، لكنه لم يدركه منها إلا الجوانب العاطفية دون الأخطاء والعيوب البشرية.

2) ثم احرصي على توفير الثقة المشتركة بينك وبين زوجك، حتى لا يخفي عليك أفعاله، وهذا يتطلب منك إشعاره بقولك وفعلك أنك الزوجة المحبة المخلصة معه، والقلب والصديق الوفي له، مما يستلزم منك التحلي بالثبات والهدوء والرسوخ والحكمة والعقل.

3) ما من حل أجمل ولا أقوى من اللجوء إلى الله والتعلق به وسؤاله العون والتوفيق والمدد، وأن يلهمك الرشد والصواب، والحرص على تقوية الإيمان في قلبك، وذلك لتفعيل الصبر والحلم، وكذا تقويته في قلبه لردعه وزجره عن تجاوز حدود ربه (ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه)، وذلك يستلزم ضرورة الإقبال على الله بالذكر وقراءة القرآن والعبادة، فمن أصلح حاله مع الله أصلح الله حاله مع غيره.

4) يجب أن يعلم زوجك –هداه الله وأصلحه وغفر له– أن هذه العلاقة يجب أن يتوقف عنها؛ كونها أجنبية عنه، فمحادثته لها حرام وإثم شرعاً، وذلك بالحوار الهادئ والمناسب معه بدون أي انفعال أو غضب، كأن تسأليه: هل يرضى لأخته أو لابنته أن تبقى على علاقة بشخص أجنبي عنها كما هو يفعل مع هذه الفتاة؟ وفي الحديث عند مسلم في صحيحه: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وهل يرضى أن يعصي ربه ويجلب لنفسه الإثم، ويشين سمعته وسمعة زوجته وأهله؟

5) ابدئي معه حياة جديدة، وأشعريه بالأمان والتسامح والعفو والتجاوز عن أخطائه، واقبلي منه ما يمنحك من مشاعر المحبة ولو قليلة أول الأمر، واغمريه بمشاعر المحبة والمودة والسكن النفسي والأمن الداخلي، وهيئي الجو النفسي المريح، واردمي بينكما الفجوات، وقللي أو تجاوزي الخلافات، واطردي الروتين المعتاد بالتجديد في حياتك.

6) حاولي أن توفري في نفسك القدوة الحسنة، وتتجنبي ما أمكن من أخطاء بأن تكملي نفسك بالخصال الطيبة، والصفات الحميدة في الطاعة والخدمة له، والتجمل والتزين والتحبب والتودد. فإذا كانت الفتاة الأولى تفوقك في جمال المظهر -مثلاً- فتفوقي أنت عليها بجمال الثقة والسلوك والأخلاق والتجدد في الثقافة والأفكار التي يحبها ويميل إليها، حتى ترجح كفتك ويميل إليك.

هذا، وأسأل الله تعالى أن يفرج همك، ويكشف غمك، ويشرح صدرك، وييسر أمرك، ويقوي عزيمتك، ويرزقك التوفيق والسداد والأجر والصواب، ويجمع شملك وزوجك على وئام وخير.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً