الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأساليب التربوية لمعاقبة الطلاب بغير الضرب

السؤال

السلام عليكم.

في الميثاق الجديد للتعليم بالمغرب يمنع ضرب التلاميذ، إذن كيف يمكن ردعهم عن السلوكات اللاأخلاقية ومعاقبتهم في حالة عدم إنجاز الواجبات؟


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Aziz حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعاً رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!

فإن قضية التربية من القضايا المعقدة وخاصة تربية الإنسان، هذا الكائن العجيب الذي خلقه ربنا عز وجل ليكون عبداً لله وسيداً للكون يعمره بالخير والطاعات، أو يملؤه بالشرور والموبقات.

وقد خلق الله تبارك وتعالى الناس مختلفين في ألوانهم وأحجامهم وأمزجتهم وعقولهم، ووهب لكل مخلوق شيئاً من المواهب والمزايا وقسم بينهم الأرزاق وكتب لهم الآجال، ومن هنا كان لا بد للمربين من مراعاة هذا التباين عند وضع المناهج التربوية، ومسألة الثواب والعقاب من القضايا الأساسية في التربية، ولذلك اهتم بها القرآن الذي يجعل الجنة ثواباً للطائعين، والنار وبالاً وعقاباً للعاصين.

وبالثواب والعقاب يندفع الناس ويعملون، فإن من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، وإذا تذكر المؤمن لذة الثواب اندفع في الطاعات أو تذكر لذعة العذاب هرب من الموبقات، وحتى في أمور الدنيا فإن الثواب والعقاب لهما الأثر الكبير، فهذا المتسابق الذي يسقط من الإعياء والتعب يمكن أن ينهض من جديد ليواصل السباق إذا ضاعفنا له الثواب أو أرسلنا خلفه أسداً يطارده، والإنسان يتقلب بين الرغبة والرهبة، وبين الخوف والرجاء، وهما للمؤمن كالجناحين للطائر لا يستغني عن أحدهما، لكن العاقل يغلب جانب الخوف في أيام العافية، فإذا جاءت اللحظات الأخيرة أحسن الظن بالله وملأ قلبه بالرجاء والأمل.

ولا بد أن نذكر أنفسنا وإخواننا بأن مناهج التربية بضاعة لا يجوز استيرادها، ولا ينبغي أن نجلب مربين من الخارج لأن أرضنا لا تصلح لزرع الكافرين، وفاقد الشيء لا يعطيه، ولأن مناهج التربية نابعة من عقيدتنا وكلام ربنا وهدى نبينا، كما وأن مفهوم المواطن الصالح مختلف عندنا فلا يكون صالحاً في نفسه مصلحاً في مجتمعه من يشرب الخمور، ويمارس الفجور، والصلاح عندنا يبدأ بتوحيدنا لله واتباعنا لنبيه صلى الله عليه وسلم.

والطفل لا يعرف ما يصلحه، ويحتاج إلى توجيه وتعليم وتأديب ورعاية، والطبيب الناجح يعرف أسباب المرض قبل أن يبدأ رحلة العلاج ثم يتدرج في علاجه لمرضاه ويعطي كل مريض الدواء الذي يناسبه حتى لو كان المرض واحداً، والمربي الناجح لا يعجل بالعقوبة إلا بعد أن يستنفد الوسائل المتاحة للإصلاح، ويجتهد في معرفة الآثار السالبة للعقوبة، وعليه فالصواب أن تتدرج في العقوبة على النحو التالي:-

1- التغافل عن الخطأ حتى لا يترسخ في عقل الأطفال.
2- اتخاذ أسلوب التعليم والتوصية غير المباشر.
3- بيان خطورة المخالفة.
4- إزالة العوامل والأسباب التي تدفع إلى الوقوع في الخطأ.
5- إظهار عدم الرضا للأخطاء.
6- التوجيه المباشر للمخطئ مع الحرص على إظهار عدم الرضا من خلال نبرات الصوت، وتغيرات الوجه، وقد كان الصحابة يعرفون عدم الرضا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال حركة الدم في وجنتيه عليه صلاة الله وسلامه.
7- تغيير هيئة المربي: ((وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور)) مع الانفعال!
8- التهديد بالعقوبة.
9- اتخاذ العصا ووضعها في مكان بارز.
10- التحذير من الخطأ مع الإشارة إلى العصا.
11- استخدام العصا -لمن هم أكبر من عشر سنين- مع ضرورة أن تكون العقوبة مناسبة للجرم الذي فعله المخطئ، وقد سئل الإمام أحمد رضي الله عنه: أيعاقب الصبيان؟ قال: نعم، على قدر ذنوبهم إذا بلغوا عشراً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (واضربوهم عليها لعشر)، والضرب علاج ضروري ولكن لحالات خاصة، وفي إطار ضيق ووفق ضوابط معينة، وهذا بيان لبعضها: -

أ‌- أن يكون آخر الوسائل المستخدمة.
ب‌- دراسة الآثار المترتبة عليه.
ج- ألا يصاحبه توبيخ.
د- ألا يكون أمام الزملاء أو الجيران.
هـ - أن يتجنب المربي الأماكن الحساسة كالوجه، ويفرق الضربات.
و- أن تكون الوسيلة المستخدمة مقبولة، ولا يجوز أن يخدش جلداً أو يكسر عظماً.
ز- ألا يتخذ الضرب عادة مستمرة.
ح – أن يترك الطالب إذا بكى أو هرب ولا يطارده؛ لأن القصد التأديب وليس الانتقام.

وعليه فإن الضرب وسيلة ضرورية في العملية التربوية، ولكن هذه الوسيلة لا تصلح إلا مع فئة جداً ممن اعتادوا الضرب أو عندهم عناد وكبر وتمرد، وهذا ما توصل إليه الدارسون المنصفون، أما الذين يمنعون الضرب مطلقاً فقد وقعوا في الخطأ ونشأت عندهم أجيال مدللة لا تعرف خطأ ولا ترعوي لتوجيه، وقد أفرط أقوام في مسألة الضرب حتى تركت آثاراً سالبة على الأبناء والطلاب وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، ولابد أن نعرف أن في الطلاب من ينفعه التوجيه، ومنهم من يحتاج إلى التعنيف والتهديد ومنهم من يحتاج إلى رؤية العصا، ومنهم من لا يستقيم إلا إذا تذوق لسعة العصا.

ومن الخطأ استخدام الضرب مع من يصلح معه الكلام والوعظ والتعنيف والتهديد، وكما قال الحكيم:-

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كموضع السيف في موضع الندى

ولا بد من استخدام الوسيلة المناسبة في العقوبة مع الشخص المعين بعد دراسة الحالة والتأكد من صلاحية الأسلوب، مع مراعاة الفروق الفردية بين البشر.

ويخطئ من يخبر الطلاب أن المدرس لا يستطيع أن يعاقبهم؛ لأن الضرب ممنوع، وقد تسببت هذه القوانين في إيجاد طلاب لا يمكن السيطرة عليهم، وإذا وجد الطفل بعقله القاصر من يحميه ويدافع عنه في حالة الخطأ والصواب، فماذا تنتظر منه؟

وخلاصة الأمر أن الضرب علاج لفئة قليلة وله ضوابط وشروط، وقد لا يحتاج المربي إلى هذه الوسيلة إلا نادراً، ولاشك أن ردع الطلاب عن الأخطاء له أساليب أخرى مثل العقوبات السلبية، ومنها:

1- حرمان الطالب من بعض الامتيازات.

2- منع الطالب من حضور الدرس.

كما أن مكافأة المحسن تجعل كثيراً من الطلاب يرغب في الإحسان.

والمربي الناجح يدرس حالة كل طالب، ويتعامل معه بناءً على ذلك، وأرجو أن يتجنب الألفاظ الجارحة، والظلم في التعامل، وعلينا أن نتخذ الأسلوب الإيجابي في التنبيه للأخطاء، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل).

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً