الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بسبب مشاكلي النفسية قررت الانتحار

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية أنا أكتب هذه الكلمات وأنا مثقل بالهموم، أشعر كأنها جبال من الأحزان والمشاكل موضوعة فوق كاهلي ومحفورة في قلبي، وتأكدت أن الآلام النفسية تقتل الإنسان أكثر من الآلام العضوية.

خسرت كل شيء، لا دراسة ولا عمل، وكثرة الفراغ القاتل، والسبب الاكتئاب الذي حرمني الحياة، مشاكل نفسية لها عديد السنين لم أجد لها حلا، ربما أنساها، ولكن بعد فترة إلى نفس النقطة العقل يعود، إلى نفس التفكير، صرت أرى أن طريقي مظلم من أمامي ومن ورائي، حاولت كثيراً أن أتدارك الموقف ولكن قلبي وعقلي يأبيان ذلك، لأنني لم أجد الحل، الاكتئاب دمرني وقتل الابتسامة على شفتي، لقد وجدت نفسي وحيداً بين الناس، ما فائدة كثرة جموع الناس وأنت تشعر بالوحدة، حاولت أن أتناسى، ولكن وجدت نفسي أترجح بين الموت والحياة، لم أجد أي أحد يهتم بي ولا أحد يحبني، الكل مهمتهم فقط الإيذاء، الكل تركني وابتعد عني، لقد أعطيت من أحبهم كل شيء، ولكن لم أقابل بالحب، أصدقائي الذين أحببتهم طعنوني في ظهري وابتعدوا عني، حبيبتي التي عشقتها من قلبي تركتني وحيداً وقابلتني بكلمة لا أحبك أبداً، وغير أنني فعلت كل شيء من أجلها.

أصبحت وحيداً أصارع الحياة بين أربعة حيطان، كل حائط شاهد على ما يمر علي من ألم نفسي، حاولت الانتحار قبل الآن كم من مرة، وكل مرة تأتيني فكرة للانتحار، ودائما أفلت من الموت، ولكن هذه المرة أنا عازم على التخلص من نفسي لأنني لم أعد أتحمل الدموع، دائما ما تتساقط على خدي، كأنني أبكي الدم بدل الدموع، أريد الموت رغم معرفة أنه يوجد عذاب في الآخرة، ولكن لم أعد أقوى على التحمل، الوحيد الذي سيفهمني هو من مر بالحالة التي أنا عليها، يوجد أناس تخلصوا من حياتهم، ويوجد من استطاعوا المواصلة، وأنا من الفئة الأولى.

حاولت أن أتناسى وأن ألفت انتباهي إلى أشياء أخرى، لكن لا جدوى من ذلك، عمري يضيع هباء منثورا، وأنا أنظر إلى سنين حياتي، وأنا أموت ألف مرة عوضا أن أموت مرة في اليوم، أريد أن أنتحر وأموت مرة واحدة، لكي يرتاح الناس مني وكل شخص يظن أنني أسبب له متاعب في حياته، ولا أريد أن أتعب أحداً معي في مشقتي مع الهموم.

أنا أعرف أن قتل النفس من المحرمات، وأعرف أنه من يقتل نفسه يتبوأ مكاناً له في الجحيم، ولكن بآلامي صرت أشعر كأنني أتنفس من خرم إبرة، ولا أستطيع تحمل الكدرات التي أثقلت كاهلي، وأرى أن الأمر يزداد سوءاً يوما بعد يوم، وأنا لم أحرك ساكناً.

لم أتلق المساعدة من أحد، لقد لمحت للمقربين مني، ولكن لا أحد حاول مساعدتي، على الأقل سماعي، الكل يقول إن الموت حرام وسوف تدخل جهنم، والكل يقول إنك تتحدث عن الموت دائماً، ويزيدون الطين بلة، ولكن لا يشعرون بالآلام النفسية التي أشعر بها، أو على الأقل يتفهمون مشاعري ويذكروني بجمال الحياة.

أريد أن أحيا الحياة ولكن نفسي تجرني نحو الموت، وأجد صعوبة في مقاومة ذلك، أتمنى منكم النصح والإرشاد إخواني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ماهر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية أسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يريح بالك، وأن يرزقك الطمأنية والسكينة، إنه على كل شيء قدير.

أخي: بالفعل الاكتئاب النفسي مؤلم، هذه حقيقة لا يعرفها إلَّا صاحبها، لكن ليس مصيبة المصائب، فرحمة الله واسعة جدًّا، وهذا التفكير التشاؤمي، التفكير الذي يجرُّه الشيطان للإنسان - وهو الإقدام على قتل النفسي - المسلم يجب أن يُحصِّن نفسه منه بإيمانه، لأن الله تعالى يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا}، هذا خطاب قُرآني عظيم، وفعلاً إن الله كان بنا رحيمًا.

أخي الكريم: حتى ولو لم تتلق مساعدة من أي إنسان دعْ هذا عنك، واسأل الله تعالى ألَّا يجعلك تحتاج لأي بشرٍ، ومهما كانت المصاعب الإنسان يستطيع أن يتخطَّها.

الذي أنصحك به - أيها الفاضل الكريم -: اذهب الآن إلى طبيب نفسي، واجلس مع شيخ مسجدكم، وابنِ علاقات اجتماعية طالبة، واسعَ وكابد في الحياة، و-إن شاء الله تعالى- الفَرَج سوف يأتي، الاكتئاب يُعالج، والآن لدينا أدوية فاعلة جدًّا، غيَّرتْ حياة الناس، كل الذي عليك - أخي الكريم - هو أن تتوكل على ربك، وأن تسأل الله تعالى أن يحفظك، وأن يفرّج عنك هذه الكُرب التي أنت فيها، وأدعية تفريج الكُرب معروفة، فاحرص على أذكار الصباح والمساء، وتمسَّك بالدعاء: (اللهم إني عبدك، ابنِ عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك سمَّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي وغمِّي)، ما أعظمه من دعاء ونداء، وهكذا - أخي الكريم - الحياة طيبة مهما كثرت فيها الآلام، وكم من الرجال قد وُلدوا من رَحِم المعاناة - أخي الكريم - ؟!

أنت لست أسوأ إنسانٍ في الدنيا، لا، غيِّرْ هذا الفكر السلبي، وأرجو أن تذهب وتقابل الطبيب النفسي، و-إن شاء الله تعالى- تتناول العلاج المُحسِّن للمزاج، وبعد ذلك تنفتح أمامك -إن شاء الله تعالى- أبواب الخير، وذلك من خلال إصرارك على التحسُّن والتغيُّر، ودون أن تحتاج لأحدٍ، كن أنت كريمًا حيالهم، أهلك، أقربائك، أصدقائك، وإن لم يردوا لك الجميل فاحتسب عند الله، هكذا تكون الحياة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية روح

    انا مثلك بالضبط وشعرت بما تشعر به لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً