الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد وفاة والدتي أصبحت أعاني من أفكار وسواسية عديدة، ساعدوني

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أريد عرض حالتي على الدكتور محمد عبد العليم، وجزاكم الله كل خير على ما تقدموه.

أنا شاب أبلغ من العمر 19 عاما، أعاني منذ أكثر من شهر من أفكار ووساوس مزعجة، في أول أسبوعين كانت عبارة عن خوف من الأمراض المزمنة والموت، سأذكر لكم بالتفصيل ما حدث.

توفيت والدتي منذ 4 أشهر بعد صراع مع المرض، والوالد توفي منذ سنوات، أعيش حاليا مع إخوتي، وأنا الأصغر، وبعد وفاة أمي -رحمها الله- شعرت بالحزن الشديد لفراقها، وبكيت كثيرا لكنني تعودت فيما بعد على غيابها، واستمريت في حياتي بشكل طبيعي لأكثر من شهرين، ولكن بعدها حصلت معي نوبة فزع شديدة، استفرغت على إثرها في الصباح الباكر، ولكوني كنت مستيقظا ولم أنم تلك الليلة بسبب مشاهدة الأفلام طوال الليل، فسيطرت على عقلي أفكار بأني مريض وسأموت في تلك اللحظة.

هدأت بعدها بقليل، ولكن الأفكار لم تذهب، وأحسست بألم في معدتي، وشعرت بأنني لست بخير على الإطلاق، قررت الخروج من المنزل لأغير الجو، ولكن دون جدوى، وظل الحال هكذا طوال الوقت، بعد أسبوع تجاوزت الأمر، ولكن سيطرت على تفكيري أفكار أخرى في العقيدة، تألمت بسببها كثيرا لأنها أقنعتني أنني ابتعدت عن الإسلام، وسأدخل النار لا محالة، وعاد لي ألم المعدة بشكل أكبر.

بحثت في الإنترنت على الموضوع، ووجدت حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صريح الإيمان، ولكن مع ذلك لم أرتح، وظل تفكيري يأخذني إلى أبعد الحدود، لا أدري لماذا؟ ثم جاءت إلى جانب هذه الأفكار فكرة أخرى، بأن العالم عبارة عن وهم، وأن الناس لا يفكرون مثلي، وأنني مختلف عنهم، وهكذا اختلطت الأفكار مع بعضها، حتى ظننت أني جننت، وأحسست بضيق شديد، واشتدت معي آلام المعدة، مع أنني والله لا أترك الصلاة، وخلقي حسن ومحبوب عند أهلي والناس، ومتفوق في الدراسة، وأحب النظام والترتيب، والمحافظة على الأشياء القيمة، ولكن خلال الشهر المنصرم فقدت الاهتمام بكل شيء كنت أستمتع به، وكانت عندي بعض الأعراض كفقدان الشهية، ولكنها زالت -والحمد لله- وأحيانا أصاب بالأرق ولا أستطيع النوم، ويتكرر في ذهني سماع مقطع موسيقي مألوف، خصوصا عند موعد النوم.

مؤخرا أصبحت نفسيتي أحسن، وخفت عني آلام المعدة، واستمريت بتجاهل الأفكار، ولكنها تعود عندما أدرس، أو أقرأ، ويصبح رأسي يؤلمني، ويعيدني إلى حالة الحزن والكآبة، وعندما أستيقظ من النوم أحس بعدم الراحة، وفقدت من وزني 4 كيلوغرامات.

لا أدري لماذا أشعر أن حالتي معقدة، وأنني سأظل هكذا ولن أشفى، أرجو منكم المساعدة، وأعتذر عن الإطالة، إنما أردت أن أوضح لكم حالتي من أجل تشخيصها.

وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فنرحب بك في الشبكة الإسلامية، حالتك -إن شاء الله تعالى- ليست معقدة، وأنت قد أفلحت، ووصفتها بصورة جيدة ودقيقة جداً ومفيدة، كل الذي ذكرته من أعراض وأفكار ومخاوف، وعدم استقرار نفسي يشخص من جانبنا كحالة بسيطة -كما ذكرت لك-، وهي تعرف بقلق المخاوف الوسواسي، ووفاة والدتك -عليها رحمة الله- قطعاً حدث كبير ومؤثر، ربما يكون قد ساهم في ظهور هذه الأعراض في بدايتها، أسأل لوالدتك الرحمة والمغفرة دائماً، وتصدق لها حتى ولو بالقليل، وصل من كانت تصلهم بقدر ما تستطيع وحاول برهم، وكذلك بالنسبة لوالدك -عليه رحمة الله-.

هذه الحالة تعالج دوائياً ونفسياً وسلوكياً واجتماعياً وإسلامياً، العلاج الإسلامي يتمثل في أن تدرك أن هذه ابتلاءات، وابتلاءات بسيطة جداً، وأن الله تعالى سوف يشفيك ويعافيك، وأحرص على صلاتك في وقتها، وكذلك الأذكار خاصة أذكار الصباح والمساء، ويجب أن يكون لديك أو لك نصيب من تلاوة القرآن يومياً، وحاول أن تكون مسترخياً قبل النوم، وتتلوا شيء من القرآن حتى لا تزعجك هذه الأفكار، أو ما يتكرر في ذهنك من سماع مقطع موسيقي، واريدك من الناحية السلوكية أن تكون إيجابياً في فكرك، وتتغافل تماماً عن أي فكر سلبي، والوساوس لا تناقشها إنما تجاهلها وحقرها التحقير التام.

من المهم جداً أن تتواصل اجتماعياً مع أصدقائك، والصالحين من الشباب، وأن تمارس الرياضة، الرياضة فيها خير كثير جداً بالنسبة لك، التوازن الغذائي مهم جداً فاجعل غذاءك متوازناً، -وكما ذكرت لك- تنظيم الوقت يعتبر أيضاً شيء أساسي، والذين يديرون أوقاتهم بصورة صحيحة يديرون حياتهم بصورة صحيحة.

ولا بد أن يكون لك ترتيب صحيح للوقت، متى تدرس، متى تستيقظ، متى ترفه عن نفسك؟ هذه كلها يجب أن تكون واضحة المعالم، وخير وقت للتركيز والدراسة الصحيحة هو البكور، إذاً الإنسان الذي يدرس ساعة، أو ساعة ونصف بعد صلاة الفجر، وقبل أن يذهب إلى مرفقه الدراسي يكون من أفضل المتحصلين أكاديمياً، ومن الناجحين -إن شاء الله تعالى- هذا يتطلب منك النوم الليلي المبكر، والنوم الليلي المبكر يعود بخير كثيراً على الصحة النفسية، لأنه يؤدي إلى ترميم كامل في خلايا الدماغ.

أيها الفاضل الكريم: بالنسبة للعلاج الدوائي، أنت تحتاج لدواء بسيط من أحد مضادات القلق والخوف والوساوس، إن استطعت أن تذهب إلى طبيب نفسي فهذا أمر جيد، وإن لم تستطع فالدواء الأمثل في حالتك هو عقار سيرترالين، هكذا يسمى علمياً، وله عدة مسميات تجارية، أشهرها لسترال والزوالفت، الجرعة في حالتك هي أن تبدأ بنصف حبة 25 مليجراما ليلاً لمدة 10 أيام، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة ليلاً لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين ليلاً وهذه الجرعة العلاجية، وهي جرعة متوسطة وليست جرعة قصوى، استمر على الحبتين ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم انتقل إلى الجرعة الوقائية بأن تخفض الجرعة وتجعلها حبة واحدة، أي 50 مليجراما ليلاً لمدة شهرين، ثم اجعل الجرعة نصف حبة 25 مليجراما ليلاً لمدة أسبوعين، ثم 25 مليجراما يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناول الدواء.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً