الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السفر من أجل الدراسة في الخارج من دون محرم .. رؤية شرعية وتربوية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تخصصي يحتم علي استكمال الدراسة في بلدي أو في الخارج، وقد حدثت لي أمور محزنة كثيرة جعلتني أفكر في السفر إلى الخارج لاستكمال دراستي، ولكنني أعلم أن السفر إلى الخارج والإقامة بدون محرم لا يجوز شرعا، ومع ذلك طلبت من الله عز وجل أن يصرفني عن التفكير في السفر، وقد عملت بجد كي لا أسافر ودخلت امتحانا في دولة أوروبية (انتساب مدة يومين) بعد مذاكرة سنة ونصف بجد واجتهاد، ولكنني لم أوفق!

وبعد ذلك دخلت أيضاً في برامج الدراسة في الدولة واستخرت قبلها بأن يوفقني الله تعالى في امتحان الجزء الأول في الدولة حتى أكمل الأجزاء الباقية في بلدي وبالقرب من أهلي، وأقسم بالله أنني اجتهدت وسهرت الليالي وعلى قدر استطاعتي ذاكرت، ويشهد جميع رؤسائي في القسم بأنني موظفة مجتهدة وذكية، وكان الجميع يتوقع نجاحي لأن معلوماتي جيدة ولكنني لم أوفق في الامتحان؛ مما أصابني بإحباط شديد جداً!

ولم يقف أحد إلى جانبي حتى أهلي لأنني لم أرد أن أحزنهم، فلقد كنت سبب الفرحة لهم منذ صغري، حيث نجاحي كان متتاليا ولم أرسب قط، ولكنني تخطيت الأزمة ودخلت امتحان (الانتساب) للمرة الثانية ولكنني لم أوفق أيضا؛ مما جعلني أفكر أنه قد يريد الله تعالى لي السفر للخارج حيث إنني اجتهدت ولم أنجح! وحاولت للمرة الثانية أن أدخل الامتحان الذي في بلدي وفي تخصصي ولكنني واجهت مشكلة وهي عدم قدرتي على استيعاب أو فهم ما أقرؤه؟ لا أستطيع تذكر المادة التي أقرؤها!

وأشعر بإهانة كبيرة عندما ينظر إلي بغرور زميلاتي اللاتي نجحن في جميع الامتحانات، وأشعر بأنهن ابتعدن عني ويخفن من أن أحسدهن على نجاحهن، مع أنني والله فرحة لهن وأتمنى لهن الخير، وقد هنأتهن واشتريت لهن الهدايا عندما نجحن ورسبت أنا؛ لذلك قررت أن أريح أعصابي من هم الامتحانات وأن أتفرغ لعمل أوراقي للسفر إلى الخارج واخترت تخصصا لا يوجد في بلدي.

وقد استخرت الله تعالى وأنا أشعر براحة، والآن أنا بانتظار الفيزا والتي تأخرت علي، وقد قيل لي بأنه سيكون هناك تأخير في الفيزا.
سؤالي: هل ما حدث لي هو نتيجة الاستخارة؟ وما فهمته مما حدث لي بأن الله تعالى يريد لي السفر والدراسة في الخارج، فهل ما فهمته صحيح أم أنا على خطأ؟ لأنني حاولت وبذلت جهدي في البقاء والدراسة ولكنني لم أوفق، وقد علمت أنه في كل مرة أنقص على النجاح بدرجة أو اثنتين فقط؟
وجزاكم الله خيراً.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يُسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يقدر لك الخير حثيما كان، وأن يرزقك الرضا به.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فمما لا شك فيه أنه ما من شيءٍ في الحياة أجمل من أن يحقق الإنسان أمله وهدفه، ويشعر فعلاً بأنه إنسان ناجح ومتميز وجدير باحترام الناس له؛ لأن الناس يحبون النجاح والناجحين.

ولذلك أمرنا الله جل جلاله بالأخذ بالأسباب، والسعي والجد والاجتهاد، حتى نحقق هذه الغايات الجميلة الرائعة، بل إن الإسلام يحفز الإنسان ويدعوه إلى عدم الاستسلام أبداً ما دام قادراً على تكرار المحاولة، معتمداً على الله وحده، ولذلك ومن كل قلبي أحيي فيك هذا الحرص على النجاح وتكرار المحاولات لتحقيق ذلك، فهذا شيءٌ جميل ورائع، واللهَ أسأل أن يكلل جهودك بالنجاح والتفوق وتحقيق ما تطمحين إليه، وبما أن الله قد أنعم علينا بنعمة الإسلام العظيم، فمن حقه علينا ألا نخرج عن شرعه لتحقيق أي هدف مهما كان، وأن نحرص على أن نظل تحت مظلة الشريعة مؤملين رضا الله والجنة.

وكم من إنسانٍ قد تكون لديه رغبات مشروعة ورائعة إلا أنه لا يوفق في تحقيقها، رغم الحرص الشديد والاجتهاد والأخذ بالأسباب، حتى إن الإنسان ليعجب كل العجب من عدم توفيقه رغم توافر كل عوامل النجاح، يا ترى لماذا؟!

لأننا عادةً ما ننظر إلى الهدف أو الأمر من وجهة نظرنا نحن، وقد ننسى أن هناك مقادير قديمة قد قدرها الله قبل خلق السموات والأرض تقتضي عدم تنفيذ هذه الرغبة؛ لأنه سيترتب عليها أمور لا تُحمد عقباها، وهذا يحدث لكثيرٍ من الناس، فهذا رجل في غاية القوة والنشاط، وليس به أي عيب يتزوج من امرأةٍ مثله تماماً، ورغم ذلك لا يرزقان بالأولاد، لماذا؟

هذا مثال من ملايين الأمثلة، وكم أتمنى أن تُعيدي قراءة قصة العبد الصالح مع موسى عليه السلام، خاصة عندما قتل الغلام، أتمنى أن تقرئيها بهدوء ورويّة، وستجدين فيها الحل لما أنت فيه، أنت تريدين شيئاً والله يريد شيئاً آخر، لذلك تتدخل إرادة الله لتحول بينك وبين تحقيق هدفك رحمةً بك أنت، فمن أدراك أنك ستكونين في حالٍ أحسن لو حققت هدفك، خاصةً وأنه يلزم لتحقيقه أن تعيشي في بلاد أجنبية بغير محرم، وهذه معصية كما ذكرت أنت وحرام شرعاً، لذا أرى أن تجتهدي لتحقيق هدفك بأي وسيلة، بعيداً عن السفر خاصةً إلى بلاد الكفر، حتى ولو توقفت عن الدراسة، فهذه معصية وحرام شرعاً، ولا يجوز لنا أن نقدّم العاجلة الفانية على الآخرة الباقية، ولا يجوز لنا أن نقدم رغبتنا على شرع الله، ولعل ما حدث معك من إخفاق متكرر وعدم توفيق إنما هو اختبار من الله لك، ليرى هل ستُقدمين الشرع على حظ النفس أو ترسبين في الامتحان من أجل عرضٍ قليل من الدنيا؟ فابحثي عن مَحْرَم، وإن لم تجدي فلا داعي للمجازفة، وارضي بما قسمه الله لك، وتأكدي أن ما كان لك فسوف يأتيك لا محالة، واعلمي أن الاستخارة لا تتوافق مع معصية الله، فكونك مستريحة ليس معناه أن السفر هو الخير؛ لأنه مخالفٌ لشرع الله، ولا يمكن أن يكون خيراً حتى ولو تركت الدراسة كلها ورضيت بما أنت عليه، فهو خير وبركة.

مع تمنياتنا لك بالتوفيق للذي هو خير.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً