الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الرزق يأتي دون أن أسعى لطلب الوساطة من أحد؟

السؤال

السلام عليكم..
لكم منا جزيل الشكر على كل الجهود التي تبذلونها في خدمة الإسلام والمسلمين، جعل ذلك في ميزان حسناتكم.

أنا شاب عُمري 26 سنة، تخرجت السنة الفارطة من الجامعة في بلدي، ولكن قبل أن أتخرج كنت أخطط لمستقبلي مثلي كمثل أي شاب آخر، أريد بعد أن أتخرج أن أحصل على عمل مناسب أستطيع من خلاله أن أبني مستقبلي، وأن أكمل نصف ديني، أن أتزوج، ولكن عندما تخرجت صُدمت بالواقع الأليم الذي هو واقع أغلب الدول العربية "البطالة".

مع كامل الأسف بلدي يمُر بأزمة اقتصادية خانقة، والبطالة في ازدياد عاما بعد عام، والبلد أصبحت مبنية بالأساس على الوسائط والمحسوبيات والرشاوي، بالمختصر إذا أردت أن تحصل على وظيفة عليك" بواسطة" تستطيع أن تتدخل لك لكي تستطيع العمل في أي شركة أو مؤسسة.

أنا حاليا متخرج منذ سنة، ومع الأسف لم أستطع الحصول على عمل مناسب، أنا والحمد لله رب العالمين شاب ملتزم، أخاف الله، أصلي ولله الحمد، وأقرأ القرآن، وأقوم الليل، ومُداوم على الاستغفار والتسبيح طوال اليوم، ومتوكل على الله في جميع أموري، ومتأكد أن الرزاق هو الله، وأن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى ليس بيد العبد، لكني قرأت أن الإنسان لا يحصل على رزقه من العمل إلا إذا سعى نحو هذا الرزق، وأنا حاولت عن طريق مواقع عروض العمل على الإنترنت أن أقوم بتقديم سيرتي الذاتية إلى العديد من الشركات وعروض العمل، ولكن طيلة سنة كاملة لم أجد أي رد من أي شركة مع الأسف، والجميع يقول لي: إنه بما أنك لا تعرف فلانا "واسطة" في شركة معينة لن يتم قبولك في أي عمل، حتى أن جميع أصدقائي الذين تحصلوا على عمل كان ذلك عن طريق "الواسطة"، وقمت بإخبار العديد من أصدقائي أنني أبحث عن عمل لكن أيضا بلا فائدة.

قرأت أن الإنسان عليه أن يسعى خلف رزقه لكي يحصل عليه، وإذا لم يسعَ لن يحصل على الرزق " العمل " أنا هذه طاقتي واستطاعتي، حاولت ولكني فشلت في جميع المحاولات، لقد قرأت في كتاب الله الكريم في سورة طه (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) و قرأت في سورة النجم (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ).

سؤالي: هل رزقي من رب العباد سوف يأتيني حتى وإن فشلت في البحث عن عمل؟ أم أنني إذا لم أبحث عن عمل لن أرزق بعمل لو لم أتحرك مع العلم أنني حاولت ولكني فشلت؟

أنا مواظب على الاستغفار والتسبيح والصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم طيلة النهار، وفي كل قيام ليل أدعو الله عز وجل أن يرزقني عملاً حلالاً أستطيع من خلاله أن أبني مستقبلي، ولكني في حيرة من أمري، ماذا أفعل؟

آسف على الإطالة، وبارك الله فيكم، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مروان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أخي الفاضل– وأسأل الله تعالى أن يفرج همك وييسر أمرك ويشرح صدرك، ويرزقك التوفيق في أمورك عامة وسعادة الدنيا والآخرة.

لا شك أن ما تعانيه هو ما يعانيه الشباب عامة، حيث وظروف بلداننا وتحدياتها وأزماتها صعبة في كافة النواحي والمجالات، ولاشك أن مما يخفف من حدة شعورك بالضغوط النفسية استحضار طبيعة الحياة الدنيا، وكونها طُبِعت على الابتلاء، وفضل الصبر على البلاء والشكر للنعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

نعم، فإن الرزق مقسومٌ ومكتوب، لكن سنة الله الكونية ربطت الأسباب بالمسببات والنتائج بالمقدمات قال تعالى: (فأتبع سببا) (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) وللتوكل على الله ركنان اثنان:
الأول: هو الاعتماد القلبي على الله تعالى.
والثاني: هو بذل الأسباب، فمن أخلَّ بالأول فقد أخلَّ بالتوحيد، ومن أخلَّ بالثاني فقد أخل بالعقل.

ومن بذل الأسباب: التبكير في البحث عن العمل وبذل الوساطات والاجتهاد في نيل الخبرات وتقوية القدرات والمهارات، وتوسيع دائرة الثقافة، وتطوير الذات من خلال المشاركة في الدورات والتفكير في فرص وأعمال أخرى مختلفة مناسبة لواقعك.

أوصيك بالمزيد من الصبر واحتساب الثواب والأجر، والاستمرار على نهج الصلاح والاستغفار، وتذكَّر أن كثيراً من الناس محرومون من أساسيات الأمن والرزق في بلاد كثيرة، وقد صح في الحديث: (من أصبح آمناً في سربه، مُعافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

ولا شيء أفضل من اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء والاستغفار والذكر، ولزوم الصحبة الطيبة، والتعبُّد لله تعالى بانتظار فرَجه ورحمته سبحانه.

أسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، ويصرف عنك كل شر وضير، ويرزقك العمل المناسب والزوجة الصالحة والحياة السعيدة والآمنة المطمئنة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا رانيا

    بارك الله فيكم على الإجابة ولكن أود الشرح أكثر يعني ذلك لاداعي للاستعانة بمعارف لدخول اي عمل حتى ولو استعسر علينا الأمر غير ان ذلك ليس على الله بعسير وبورك فيكم ونفع بكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً