الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات لمتزوج يخشى إجابة دعوة والدته بحرمانه من الذرية

السؤال

السلام عليكم.

السادة المستشارون القائمون على هذه النصائح والإرشادات المفيدة! تحية طيبة. وبعد:
فبداية منذ حوالي عشر سنوات تقريباً حدثت مشادة كلامية حادة بيني وبين والدتي على الحالة المادية لنا كأسرة تتكون من أحد عشر فرداً، والظروف الصعبة التي كنا نمر بها في ذلك الوقت.

وكانت الوالدة تشكو من تصرف الوالد في بيع بعض الأشياء التي كان يمتلكها في تلك الفترة، وكذلك الاقتراض من البنك لكي يقوم بالصرف علينا، وأثناء الحوار كنت أقوم بالرد عليها بعصبية زائدة وكلام غير مقبول، وأقول لها: يعني لازم كنتم تنجبون كل هذا العدد (9 أبناء)، بالإضافة للوالد والوالدة؟! وأقول لها: من أين يأتي الوالد بالأموال لكي يقوم بالصرف علينا لولا أن يقوم بالتصرف ببيع هذه الأشياء أو الاقتراض من البنك ومن بعض الجيران والأقارب في ظل هذه الظروف المادية الصعبة التي نمر بها؟!
وتطور الحوار إلى أن الوالدة قامت برفع يديها، وتشتكي إلى الله مني، وقالت في شكواها: (رح يا ولدي ربنا يحرمك من الذرية -عدم الإنجاب- وما تراهم أبداً!) لأني أغضبتها في هذه المناقشة الحادة، وهذه الدعوة كانت صريحة وجادة عند خروجها.

في تلك الفترة كنت غير متزوج، ومنذ حوالي سنتين و(4) شهور تم الزواج ببلدي أثناء فترة الإجازة؛ لأنني حالياً مقيم بالكويت، وبعد الزواج حملت الزوجة بجنين لكنه لم يكن لنا نصيب فيه لحدوث نزيف وإنزال -سقوط- للجنين بسبب النزيف، وحدث ذلك الإسقاط أثناء وجودي بالكويت بعد العودة من الإجازة.

وبعد مرور عام بالكويت أخذت إجازتي السنوية (100) يوم، ورجعت لبلدي، وبعد مضي (60) يوماً من الإجازة لم تظهر علامات للحمل في تلك المدة؛ فقررت عرض الزوجة على طبيبة نساء وتوليد، وبالمراجعة عند الطبيبة خلال باقي الإجازة وبعد عمل الفحوصات اللازمة وأخذ الأدوية للزوجة، وكانت الطبيبة تقول لنا: لا يوجد أي شيء يمنع الحمل سوى بعض الدهون وزيادة الوزن عند الزوجة بعد الزواج.

كانت الإجازة على وشك الانتهاء، ولعدم معرفة وجود حمل أم لا كانت الوالدة تدعو لنا بالذرية والتوفيق من الله بحدوث حمل، وأثناء جلوسي مع الوالدة في إحدى الجلسات ذكرتها بدعوتها وشكواها إلى الله عما بدر مني سابقاً منذ العشر سنوات، فقالت لي: يا ولدي! لست متذكرة هذا الموقف السابق، وإنها سامحتني حالياً، ودائماً تدعو لي ليل نهار دعوات صريحة ونابعة من القلب بالذرية والإنجاب والتوفيق من الله.

وبعد انتهاء الإجازة وعودتي للكويت لم يحدث الحمل خلال الإجازة، أين تقع مشكلتي؟ ربطت الأحداث خلال العشر السنوات الماضية وبين ما حدث لي بعد الزواج بعدم الإنجاب، ومشكلتي هي: هل دعوة الوالدة علي نفذت من عند الله؟ أم وجود موانع طبية تمنع حدوث الحمل؟ مع الأخذ في الاعتبار وجود حمل سابق لم يكتمل، ومراجعة طبيبة النساء والتوليد، أم سبب نفسي لدي أنا فقط؟

مع العلم أيضاً بعدم مصارحتي للزوجة بالدعوة والشكوى التي قامت الوالدة بها منذ العشر السنوات حتى لا يؤثر ذلك على العلاقة بين الوالدة والزوجة، وكذلك من الناحية النفسية للزوجة، والآن أنا في حيرة، مرة أقول: أحضر زوجتي للعيش معي في غربتي وبعيداً عن الضغوط النفسية والعادات والتقاليد، والأسئلة المتكررة عن حدوث الحمل في حالة نزولي إجازة أخرى.

ومرة أقول: أنزل هذه الإجازة القادمة، ونجرب حظنا مرة أخرى بعمل اللازم من الناحية الطبية، وإن لم يحدث حمل فسنحضر الزوجة معي، مع العلم بعدم توافر الإمكانيات المادية لي بالبلد الذي أقيم به.

وحيرتي تكمن في ذهني وعقلي، وعند البحث لحلول لمشكلتي أو اختيار حلول أخرى بمراجعة أطباء النساء والتوليد، وما بين نزولي إجازة وإحضار الزوجة معي بالبلد المقيم به، يظهر في عقلي وذهني دعوة الأم وشكواها علي منذ العشر السنوات، وأقول في نفسي: دعوة وتمكنت، بمعنى: إرادة الله نفذت منذ العشر السنوات بدعوة الأم وشكواها، أريد استشارتكم من جميع النواحي:
1- الدينية: على دعوة وشكوى الوالدة علي وآثارها وحقيقتها.
2- الطبية: هل بمراجعة الزوج والزوجة للأطباء المتخصصين؟
3- النفسية: من جهتي دائماً أتذكر دعوة وشكوى الوالدة علي عند البحث عن حلول لتلك المشكلة، والتوقف عن البحث لاقتناعي بقبول دعاء الوالدة علي ونفاذ أمر الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ عادل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يوفقك للخير وأن يرزقنا جميعاً رضا والدينا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

فإن رضا الله في رضا الوالدين، وسعيد في الناس من أفنى عمره في خدمة والديه والبر بهما بعد طاعته لله، فليس في الدنيا من هو أعظم فضلاً على الرجل من والديه، وخاصة الأم التي حملته وهناً ووضعته وهناً وسهرت على راحته دهراً، والصواب هو عدم التدخل في الخصومات التي تحدث بين الوالدين لأن رضا الجميع مطلوب.

والعاقل يرغب في دعاء والديه لأنه أقرب للإجابة، ويخاف من غضبهما، ويحذر من الدعاء عليه، وإذا كانت الوالدة قد سامحتك وهي تُواصل الدعاء لك؛ فلا داعي للخوف من الماضي، وحتى لو أن تلك الدعوة قد استجابها ربنا فإنه بفضله ورحمته سوف يستجيب دعاءها لك وتضرعها من أجل أن يرزقك الله بالذرية، فاجتهد في برها والإحسان إليها لتكثر لك من الدعاء، واحرص على مساعدة المحتاجين وفعل الخيرات، واجتهد في طلب الرزق الحلال وطاعة ذي العظمة والجلال، والزم الاستغفار؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا))[نوح:10-12]، وكان السلف إذا أردوا السقيا استغفروا الله، أو طلبوا الولد استغفروا الله، أو رغبوا في المال استغفروا الله، أو طمعوا في قوة الأبدان والبلدان استغفروا الله؛ فعليك بكثرة الدعاء والتوجه إلى رب الأرض والسماء، وردد دعاء نبي الله زكريا: ((رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ))[آل عمران:38]، وقوله: ((رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ))[الأنبياء:89].

ولا داعي للعجلة، فلكل أجل كتاب، وأنتَ ما زلت في بداية الطريق، والمدة التي جلستها مع زوجتك قليلة، فلا تنزعج لأن الناحية النفسية في غاية الأهمية، وقد أحسنت بكتمان هذا الأمر عن زوجتك؛ لأن الناحية النفسية لها آثار كبيرة جدّاً.

واجتهد في نسيان ذلك الموقف، وسارع في الخيرات والطاعات، وما صلحت البيوت والزوجات بمثل طاعتنا لرب الأرض والسماوات، قال تعالى: ((وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ))[الأنبياء:90] ماذا كانوا يفعلون؟ ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ))[الأنبياء:90].

وأرجو أن أقول لك: إنني رزقت بأول طفل بعد ثلاث سنوات، والآن عندي خمسة أطفال ولله الحمد، وأعرف بعض الناس تأخر عنده الإنجاب ثمان سنوات ثم رزقه الوهاب بعد ذلك بثمانية أطفال، ولا داعي لكثرة التردد على الأطباء خاصة بعد أن قالوا لك: الأمور طبيعية، وبعد حدوث سقوط للجنين الأول؛ فإن ذلك مؤثر إيجابي، ولكني أدعوك دائماً إلى الثقة في الله والتوجه إليه والصبر.

كما أرجو أن تحرص على اغتنام الأيام الواقعة بعد انقطاع دم الحيض؛ فإنها أيام الإخصاب، واحرص على أن تقدم بين يدي المعاشرة الزوجية كلمات طيبة ومداعبات لطيفة، واحرص على اتباع الهدي النبوي: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا؛ فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً).

ولا تتأثر بكلام الناس؛ فرضاهم غاية لا تدرك، ولا بأس من مجيء أهلك للكويت إذا كان ذلك ممكناً، ولو لفترة مؤقتة، ولا شك أن للسفر وتغير البيئة فوائد كثيرة من الناحية النفسية.
ونسأل الله أن يرزقك الذرية الصالحة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً