الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الإحباط لتراجع مستواي الدراسي بعد دخول كلية الطب!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالبة طب في السنة الثالثة، منذ دخولي إلى الكلية وقبولي بدأ مستواي الدراسي بالتدني.

أحب الدراسة ودخلت الكلية بناء على رغبتي الشخصية، لم أتخيل أن ينتهي بي الأمر لهذا الحد، صحتي تدهورت ونفسيتي مدمرة، شعري يتساقط، ولدي بثور في وجهي، دائما أشعر بالخوف والارتباك، وأحيانا أفقد تركيزي ولا أستطيع الاستيعاب جيدا.

أشعر أنني تائهة وفي دوامة، بالرغم أنني كنت الطالبة الأولى والمثالية، ويضرب بي المثل بين أخواتي وفي العائلة، حتى مع المعلمات، دخلت لمعهد اللغات تجهيزاً للطب، كان المحاضر منبهرا من قدرتي على التقاط المعلومة، ويريد إعطائي منحة بالرغم من أنني كنت الأصغر بين رواد الأكاديمية، ولكنني استبدلتها بحلم الطفولة الطب.

أشعر بإحباط شديد لأنني وصلت لهذه المرحلة، أتهرب دائما من الواقع وأنام كثيراً، وأشعر بالضيق.

حتى عندما أحاول فتح صفحة جديدة والبدء من الصفر تتبعثر أوراقي ويتعطل كل ما خططت له، إحساسي بالخوف والتوتر يلازمني دائما.

ذهبت لراق شرعي في الفترة الأخيرة، أخبرني بوجود سحر، قمت بالحجامة ولم يأخذني والدي لإكمال علاج الرقية، لا أعلم ماذا أفعل الآن! أوراقي مبعثرة، وامتحاناتي على الأبواب، أفكر في الموت أحيانا لأرتاح من هذا العذاب.

والدي يوبخني دائما، وأشعر بأنه عديم الإحساس بي، قد يكون هذا نابعا من حبه، وأسفا على حالي وما آل إليه أمري، أصبحت أنجح من الدور الثاني، وأعدت السنة، أنا نفسي أشعر بالصدمة، ولا يمكنني أن أخبر أحدا عما يجول في خاطري، هذه المرة الأولى التي أتحدث فيها بكل هذه التفاصيل.

أتكلم وتخنقني العبرات، أحاول كتم غضبي من نفسي ولكن الأمر سوف يزداد سوءا، تضخمت غدتي الدرقية من عصبيتي وقلقي، ولدي قولون عصبي. لا أعلم ما حل بي!

عندما أفتح الكتاب تبدأ نبضات قلبي بالتسارع، وترتعش يدي، لم تعد لدي ثقة بنفسي، أشعر بأن قيمتي نقصت، ما كان يجعل مني رقماً ضاع.

هل ثقتي ضاعت أم ماذا؟ أريد أن أكون جراحة مميزة، وأفرح والدي وأعمامي كلهم، أريد أن أفرح نفسي، أن أعيد لها ضياءها، أصبحت منطفئة.

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

واضح أنك أصبت إما بحسد أو سحر، وعليه فإن علاجك بالرقية الشرعية لدى راق أمين وثقة، مع الاستمرار بالرقية حتى يزول ما بك.

أوصيك بكثرة تلاوة القرآن الكريم وسماعه، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة؛ ففي ذلك راحة وطمأنينة للنفس، وحرز من الشرور.

لا تيأسي ولا تقنطي من رحمة الله، فما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله.

تفاءلي فالتفاؤل خلق عظيم، يفتح للعبد الآفاق، ويجعل صدره منشرحا، وقد كان من خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- التفاؤل.

أحسني الظن بالله سبحانه، فالله عند ظن عبده به، ففي الحديث (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ).

حافظي على الصلوات الخمس في أوقاتها، وتضرعي بالدعاء وأنت ساجدة، وسلي الله سبحانه أن يشفيك ويذهب عنك ما تجدين، وكوني على يقين أن الله لن يرد يديك صفرا.

تحيني أوقات الاستجابة للدعاء، وأكثري من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

من أوقات الإجابة حال الاستيقاظ من النوم، يقول -عليه الصلاة والسلام-:(من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال اللهم اغفر لي، أو دعا؛ استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته).

أكثري من الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، ومغفرة الذنوب وجلب القوة الحسية والمعنوية للأبدان، قال هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ).

وقال -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)ز

وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

احذري من إرسال الرسائل السلبية إلى نفسك؛ لأن العقل يتفاعل مع كل رسالة ترسلينها، سواء كانت سلبية أو إيجابية، ويقوم بأمر الأعضاء للعمل وفقها، فاجعلي رسائلك إيجابية.

كوني على يقين أن كل شيء يسير بقضاء الله وقدره، وأقدار الله كلها خير للمؤمن، وقد يكمن الخير وراء الشر، والعبد لا يعلم يقول -عليه الصلاة والسلام-: (واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ ، وما أصابَكَ لم يَكُن ، ليُخطِئَكَ ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً).

عليك بالثبات والإصرار على إنهاء الدراسة في نفس الكلية مع التميز في الأداء؛ لأن الحساد لا يريدونك أن تصبحي طبيبة، فعليك بالتوكل على الله والاستعانة به، فمن توكل على الله كفاه، ومن استعان به أعانه.

جددي التوبة من كل معصية قد تكونين وقعت فيها، ومن ذلك معاصي اللسان، كالغيبة والنميمة وما شاكل ذلك، فما نزل بلاء بعد إلا بسبب ذنب، ولا رفع إلا بتوبة، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)، ويقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: (فليس للعبد إذا بُغي عليه وأُوذي وتسلَّط عليه خصومُهُ شيء أنفع له من التوبة النصوح).

استمري برقية نفسك بنفسك صباحا ومساء بما تيسر من القرآن الكريم والأدعية المأثورة، حتى بعد الانتهاء من الرقية عند الراقي؛ لأن الأنفس الخبيثة قد تجدد ذلك العمل مرة أخرى.

احتسبي الأجر عند الله تعالى؛ لأن العبد المؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر، ففي الحديث: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً