الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ابنتي تبكي لأوقات طويلة فهل يعتبر طبيعيا؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا والد لفتاة عمرها 14 سنة، تدرس في المرحلة المتوسطة بالصف الثالث، وترتيبها الثانية من أصل أربع بنات، مع بداية الدراسة -بعد الإجازة السنوية- نعاني من رفض ابنتي للذهاب للمدرسة، وتنتابها نوبات بكاء شديد تبدأ من المساء وتستمر معها خلال اليوم الدراسي، ثم تعود لطبيعتها بعد عودتها من المدرسة لحين حلول المساء وهكذا، وتطلب ترك الدراسة، وأنها لا تستطيع تحمل الضيق والهم الذي تشعر به، بالرغم من تفوقها الدراسي.

حاولنا معها لمعرفة إذا ما كان هناك سبب معين للحالة التي تمر بها، سواء في المدرسة أو من المدرسات أو زميلاتها، إلا أنها تؤكد أن لا شيء معينا للحالة، فقط ضيق وهم لا تستطيع تحمله، ولا تعرف سببه، وأنها غير قادرة على تحمله.

خلال السنوات الماضية كانت تمر بمثل هذه الحالات، وإن كانت أخف حدة، تستمر لمدة أسبوعين ثم تعود لطبيعتها، إلا أنها في هذه المرة لازالت الحالة مستمرة على الرغم من مرور أكثر من شهر من بداية الدراسة، والجدير بالذكر أن هذه الحالة تختفي تماما وتعود لطبيعتها في الإجازات الأسبوعية، إلا أنها تعود مع بداية دوام المدرسة!

هل لهذه الحالة علاقة بالسن وفترة المراهقة التي تمر بها؟ بالرغم من عدم بلوغها حتى الآن، أو أن هناك سببا عضويا يمكن أن يكون سبب ما تعانيه، علما بأني أجريت لها تحليل الغدة، والدم، وتحليل الحديد، وكانت النتائج كلها سليمة، أم هل الحالة متعلقة بعلة نفسية؟ وعلى الرغم من تخوفنا من الدخول في نفق الأدوية النفسية فإني عرضتها على طبيب نفسي وشخص الحالة بأنها رهاب من المدرسة، ووصف لها حبوب سيبرالكس 10 مج نصف حبة يوميا لمدة 4 أيام، وبعد ذلك حبة واحدة يوميا، وبدأت في العلاج يوم أمس.

ختاما وعذرا على الإطالة، هل الأعراض تتفق مع كونها عين أصابتها؟ علما بأني أرقيها يوميا بما تيسر لي من آيات الرقية، كما أني عرضتها على راق شرعي نحسبه على خير والله حسيبه وقرأ عليها، ووصف لها عسلا، وزيت زيتون، وماء مقريا فيه.

نرجو التكرم بالنصح والإرشاد، نظرا لتأثر كل من في البيت بالحالة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فايز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله تعالى لابنتك العافية.

حالات عدم الذهاب إلى المدرسة، أو عدم إبداء الرغبة في الذهاب، أو إبداء المقاومة للذهاب إلى المدرسة: هذا نبحثه دائمًا من خلال ثلاثة محاور: عوامل البيت، وعوامل المدرسة، وعوامل في الطفل نفسه، هؤلاء الأطفال عادة يكونون جيدين في أدائهم الأكاديمي، وليسوا من ذوي المشاكل والتشاكسات في داخل المدرسة، ولكن شخصياتهم في ذات الوقت تكون مثبّطة، ليست شخصيات تفاعلية انفعالية.

إذا كانت ليس هنالك أسباب في المدرسة، بمعنى: نفرتها أو خوفها من إحدى المدرسات اللواتي يدرسنها إحدى المواد، أو لديها مشكلة مع إحدى الطالبات، أو حدث شيء من التنمُّر، أو خوفها من الضغط الأكاديمي. هذه هي الأسباب العامة في المدارس.

وفي البيت -مع احترامي الشديد لبيتكم ولأسرتكم الكريمة- هنالك بعض البيوت التي فيها الكثير من النقاشات السلبية أمام الأطفال، ويجد الطفل نفسه في توهان، وعدم استقرار مدرسي، وأيضًا البيوت التي ليس فيها اهتمام بالعلم والأكاديميات التعليمية، هذا أيضًا يُضرُّ كثيرًا. البيوت التي تدعو أطفالها للدراسة وتجد لا أحد يدرس، الكلُّ جالسٌ للتلفزيون أو مشغول بشيءٍ لا فائدة منه، وفي ذات الوقت يُطالِب أحدُهم التلميذَ بأن يدرس.

هذه -أخي الكريم- هي الأسباب العامة، وهناك سبب مهمٌّ جدًّا جدًّا، وهو الارتباط الوجداني الشديد ما بين البنت وأُمّها، أو شخصٍ آخر، أخت لها مثلاً في البيت، هذا نُسمّيه بقلق الفراق، هناك رغبة في الذهاب إلى المدرسة لكن الخوف من الفراق الشديد وتكوين نوع من الرابط النفسي الشديد ما بين الطرفين، وهذا غالبًا يكون على مستوى الشعور واللاشعور. هذا من أكبر الأسباب، بمعنى آخر: البنت لا تريد أن تفقد أمان البيت، هي لا تكره المدرسة، لكنها تُحبّ أمان البيت أكثر.

هذه الحالات -أخي الكريم- علاجها بسيط جدًّا: أن نكون مُساندين وحازمين في نفس الوقت، نُساند ابنتنا هذه بأن نُطريها ونمدحها دائمًا ونشجعها، ولا نتكلم كثيرًا في موضوع المدرسة، يقال لها: (موضوع المدرسة هذا أمرٌ لا مفرّ منه، تصوري نفسك بعد عشر سنوات من الآن تكونين جالسة في البيت بدون تعليم، لا بد أن تتعلمي، لا بد أن تتخرجي من الجامعة، تتزوجي، إن أردتِّ العمل تعملي... وهكذا) ننقلْها بصورة فيها شيء من الأمل والرجاء، هذا مهم جدًّا.

نساعدها في تنظيم وقتها أيضًا: تنام ليلاً مبكّرًا، تقرأ دروسها، تُرفّه عن نفسها، تُصلي صلواتها، تُشارك في أعمال المنزل، تخرج من وقتٍ لآخر مع الأسرة من أجل الترفيه... وهكذا.

فيا أخي الكريم: هذه هي الأسس الرئيسية لعلاج هذه البُنيّة، وكونها بلغت الأربعة عشرة سنة ولم تبلغ: أعتقد أنها قد تحتاج لفحوصات بسيطة هرمونية للتأكد من هذا الأمر.

دواء سبرالكس ممتاز جدًّا، وسوف يُساعدها بجانب العلاجات الإرشادية التي ذكرتها لك، والسبرالكس يتم الاستمرار عليه لمدة ستة أشهر بجرعة عشرة مليجرام، ثم تُخفض إلى خمسة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

الرقية والقيام بها أمرٌ جيد، ولا مانع من الاستعانة براقٍ ممَّن يقيمون الرقية بضوابط شرعية، والاستعانة بإحدى الأخوات الراقيات أفضل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة