الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخطى مشاعر التحسر على ترك الدراسة والحزن على ما فات؟

السؤال

السلام عليكم.

جزاكم الله عنا خيرا، أنا متزوجة، وأم لأربعة أطفال -ولله الحمد-، درست وتفوقت في الباكالوريا، كانت دراستي علمية على الرغم أنني كنت أميل لمجال الصحة إلا أني دخلت الهندسة، منذ صغري وأنا أتمنى أن أصبح طبيبة، وكنت أحب جدا هذا المجال، وأحب العمل في المستشفيات العمومية، وأعشق رائحة العقاقير، وأروقة المستشفى والعمل الطبي عموما، ولكن هيهات فلم يكن مجموعي كافيا لدخول كلية الطب.

درست ثلاث ىسنوات في كلية الهندسة ثم حصلت لي مشاكل انقطعت بسببها عن الدراسة، خاصة أنه لا يسمح لنا في الكلية آنذاك بالصلاة ولا بالحجاب، فكانت تضيع الصلوات بسبب التواجد الدائم هناك، رضيت بقدري واطمأننت، إلا أنه مؤخرا استيقظ حنيني ثانية إلى الطب، ودخلت في دوامة من الحزن ولوم الذات وأنني لم أحارب كفاية ولم أحاول ثانية حتى أني لم أدخل في أي مجال صحي، مع أنه كان ممكنا لي، ودخلت الهندسة وحرمت من الطب مع أنه كان من الصعب جدا قبولي، لكني الآن أتحسر وأبكي على فوات الوقت، وأني لم أكمل تعليمي، ولم أحصل على أي شهادة.

ما يحزنني أني كنت من المجتهدات، الحمد لله وضعي الآن جيد ولا أحتاج للعمل، لكني حزينة على ما فاتني، مع أن ظروف الدراسة في بلدي لا تساعد الطالب في المحافظة على دينه، فلا وقت ولا مكان للصلاة في الكلية، ناهيك عن الاختلاط الشديد والانفتاح بين الجنسين حتى في العمل، أعلم أنه قضاء الله وقدره وأنا راضية به، ولكنني لم أستطع تخطي حزني، خاصة عندما أرى طبيبات من العائلة، ولكن عودتي الآن للدراسة شبه مستحيلة، فماذا أصنع كي أخرج من دوامتي؟ أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفهم مشاعرك -يا عزيزتي- فمن الواضح بأنك إنسانة مميزة وتملكين قلبا كبيرا، وحبك لدراسة الطب يعكس شخصية معطاءة تحب مساعدة الآخرين، وليس أجمل من أن يدرس الإنسان التخصص الذي يعكس رغبته، فهذا سيجعله مبدعا في مهنته، ولكن -ياعزيزتي- لا تلومي نفسك، فأنت لست الوحيدة التي عانت من مثل هذه المشكلة، بل هناك الكثيرون والكثيرات لم يتسن لهم دخول التخصص الذي يرغبون به؛ لأن نظام القبول الجامعي في بلادنا العربية يعتمد كليا على نتائج السنة الأخيرة في المرحلة الثانوية، وهذا النظام له مساوئه الكثيرة، لذلك قامت كل الدول الغربية باستبداله بنظام يقيم الطالب بناء على أدائه العام في السنوات الأربع الأخيرة، فلا تلومي نفسك ولا تتحسري على ما فات، فأنت لم تكوني في موقع الاختيار بين دراسة الطب أو دراسة الهندسة، بل شاء الله أن يكون معدلك أقل من المطلوب لدخول الطب، نعم كان بإمكانك أن تعيدي السنة، ولكن هل من ضمان أنك كنت ستحصلين على المعدل الذي يدخلك كلية الطب؟

لقد شاء الله أن لا تتحق أمنيتك في ذلك الوقت، لكن وبنفس الوقت شاء الله أن يرزقك الزواج والإنجاب، وها أنت أم لأربعة أولاد، فهل هنالك مهنة أعظم وأجمل من مهنة الأمومة؟ أنت بأمومتك -يا عزيزتي- تقومين بدور أمهر طبيبة وأفضل مدرسة وأحسن مهندسة، ومن تعيش مسوؤليات الأمومة ترى نفسها وقد أصبحت تمارس معظم المهن، فافتخري بكونك زوجة وأما كونت عائلة جميلة وربت أطفالا سيصبحون مستقبلا أشخاصا مميزين، وقد ترين طموحك يتحقق من خلالهم -بإذن الله تعالى-، فاستمتعي بهذا الإنجاز العظيم الذي قد تحسدك عليه الكثيرات، ممن لم يكتب لهن الزواج أو حرمن من الإنجاب ومشاعر الأمومة.

عندما يراودك شعور الندم والحسرة على عدم إكمال دراستك قولي لنفسك بصوت تسمعينه: إن ما ينتابني الآن هو عبارة عن أفكار إلحاحية تتسلط علي وسأتركها لتمر مرورا عابرا في ذهني، ولن أتوقف عندها كثيرا ولن أعززها بالندم والحسرة، فهذا لن يفيدني الآن في شيء، بل سيكون مدخلا للشيطان إلى نفسي، نعم أنا كنت أتمنى أن أكون طبيبة ولكنني لا أعرف ما كان سيكتب لي فيما لو تحققت أمنيتي، فهل كنت سأتزوج؟ وإن تزوجت هل كنت سأنجب؟ وإن أنجبت هل سأكون قادرة على أداء مهامي كطبيبة وزوجة وأم؟ لقد اختار الله عز وجل لي أعظم مهنة في الوجود وهي مهنة الأمومة، وأنا راضية بما اختاره الله لي فهو جزء من رزقي المقدر لي، ثم اذكري الحديث الشريف الذي يكرم الأم ويرفعها إلى أعلى الدرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك) فأي تكريم لهذه المهنة أعظم من هذا التكريم؟

وعلى كل حال: إذا كانت ظروفك الآن تسمح وما زلت راغبة بالدراسة فيمكنك ذلك ولم يفت الأوان، فالدراسة لا ترتبط بعمر معين، وكثير من الناس يبدؤون بالدراسة في هذا العمر وحتى بعمر أكبر، وبإمكانك الالتحاق بإحدى الجامعات التي لا تتطلب الدوام بشكل متواصل، فهنالك جامعات وكليات تتم الدراسة والامتحانات فيها على الإنترنت ولا تطلب الحضور إلا في الحصص العملية فقط، أو بإمكانك اختيار فرع لا يتطلب جلسات عملية.

وأنصحك -أيتها العزيزة- بممارسة أي هواية تحبينها وتناسب ظروفك واعملي على تطويرها، لتصبحي متميزة فيها، فهذا سيعطيك شعورا بالإنجاز والتميز يعوضك بعض الشيء عن مشاعر الندم والحسرة.

بقي أن أذكرك -ياعزيزتي- بأن لله -عز وجل- حكمة في كل ما يحدث، ويجب أن يكون يقينك كبيرا بأن الله -عز وجل- قد اختار لك الأفضل، فنحن كبشر نفكر بالأمور من ناحية دنيوية ونجهل موضع الخير لنا، فاحمدي الله -عز وجل- على عطاياه ونعمه، واذكري دائما قوله جل وعلا في كتابه الكريم (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) النحل 18.

أسأل الله -عز وجل- أن يديم عليك وعلى عائلتك ثوب الصحة والعافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً