الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في الانفصال عن زوجي، بماذا تنصحوني؟

السؤال

السلام عليكم

متزوجة منذ 9 سنوات، لي طفل بعمر سنتين ونصف، وزوجي لا يهتم بي إطلاقاً، ينام في غرفة منعزلة، ولنا 3 أشهر بدون علاقة جنسية، وهذا الموضوع في الأصل لا يتكرر أكثر من مرة في الشهر، دائماً منشغل بوظيفته، وبعد الوظيفة أصحابه كل يوم يخرج معهم.

انتقلنا للعيش مع أهله بعد أن كنا مستقلين في بيتنا، وكانت رغبة والدته العيش سوياً، أنا لا أطيق العيش مع أحد، تعودت على الاستقلالية، وعندما تقدم لخطبتي كان شرط والدي أن السكن مستقل.

كنت أشتغل وأساعده في المصروف، وحتى مصاريفي الشخصية من ملبس وغيره أنا مسؤولة عنه وليس هو، حيث لا يقبل أن يصرف علي، فقط الطعام ومشاركة السكن.

حاولت أن أقنعه بالسكن إيجار غرفة وصالة، وإذا رغب أن يكون قريباً من أهله لكنه يرفض ذلك حتى إشعار آخر.

أنا حالياً بدون عمل، أفكر في الانفصال، ولكن كيف أربي ابني؟ وكيف أوفر سكنا؟ أهلي في دولة أخرى وأنا في الغربة ليس لي أحد.

اكتشفت بعد كل هذه السنين أنه غير صالح للزواج والمسؤولية داخله فارغ بلا مشاعر، لا يسمعني كلمة طيبة، ولا يسأل إذا كنت بحاجة لشيء، لا ينام عندي ولا يطلب ذلك، يخاف من أمه خوف الطفل، لا يجلس بجانبي عندما نخرج! ما تفسير ذلك؟! هل ممكن أن يكون على علاقة بامرأة أخرى؟ أستبعد هذا الشيء، لأنه مادي ولا يحب أن يصرف على أحد.

فاتحته في موضوع علاقتنا يقول: لا أستطيع إعطاءك أكثر، أنت زوجة مثل بقية الزوجات، ولا داعي للسكن المستقل والخصوصية، وأنا مرتاح في بيت أهلي، وإذا لم يعجبك ذلك ننفصل، ووالدته أيضاً قالت: إذا لم تحتملي ابني لماذا لم تنفصلي عنه قبل أن تنجبي طفلك! بماذا تنصحوني؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختنا الكريمة- ورداً على استشارتك أقول مستعيناً بالله:

لعلكم تعجلتم في قبول الزواج بهذا الرجل قبل أن تتأكدوا من صفاته التي حثنا نبينا عليه الصلاة والسلام بضرورة توفرها في شريك الحياة، وأهمها الدين والخلق، فزوجك لا يبدوا عليه علامات التدين وتصرفاته لا تؤشر إلى ذلك.

أنت الآن صرت أماً، وما عليك إلا أن تصبري، فالطلاق ليس حلاً في هذه المرحلة، خاصة وأن الضحية سيكون ولدك.

يجب عليه أن ينفذ شرطك في السكن المستقل، وهذا الأمر لا بد أن يتدخل فيه وليك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج).

اطلبي منه توفير جميع احتياجاتك، ولا أنصحك بعد كل هذه المعاناة أن تساعديه في شيء، خاصة وأنه لا يأتي لك بأساسيات متطلباتك، فالبخل صفة مذمومة، ففي الأثر: (السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل).

الغاية من الزواج أن يحصل السكن النفسي لكلا الطرفين، والذي يبدو لي أنه لم يحصل ذلك لك إلى الآن، ومع هذا فإني أوصيك بالصبر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ومع هذا فطالبي بحقوقك، وعليك أن تتعرفي على سبب نومه في غرفة مستقلة هل عنده ضعف جنسي مثلاً أم ما السبب في ذلك؟!

إن أقل ما يجب على الرجل أن يجامع امرأته مرة واحدة في الشهر كما قال بعض أهل العلم، استنباطاً من قوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله)، ولكن لا يعني هذا أنها تتقبل ذلك منه ثم تقع فيما حرم الله عليها، فإن كان الرجل عنده ضعف جنسي ويرفض العلاج أو لم ينفع فيه العلاج وكانت تخشى على نفسها فلا بأس أن تطلب الطلاق، فإن أبى فيجوز لها أن تفسخ عبر الطرق المشروعة.

تحيني الأوقات المناسبة لمناقشة زوجك، ورتبي المسائل بحسب أهميتها وأولويتها، فلعلك تصلين معه إلى حل أو تتعرفين على الأسباب، وهذا سيعيننا على إيجاد حلول لمشكلتك إن شاء الله تعالى.

أنصحك أن تجتهدي في التقرب من أمه، وأن تعامليها كما تعاملين أمك، فلعلك إن كسبت ثقتها تأمر ولدها بالإحسان إليك والتعامل معك كما تحبين، فضعف زوجك أمام أمه واضح، ويبدو أنه لا يعطي كل ذي حق حقه، فكونه يغرق في حق أمه على حسابك أمر غير مرضي.

المرأة صاحبة مشاعر فياضة، وتحتاج إلى من يملأ مشاعرها بالكلمات العاطفية، ويخطئ من يظن أنها ليست بحاجة لذلك، فذلك عندها أهم من العلاقة الحميمية لأن العلاقة الحميمية ما هي إلا نتيجة وثمرة للمشاعر العاطفية التي يبديها الزوج لزوجته.

أحياناً يكون الرجل عنده جفاف في المشاعر بصفة وراثية، وهذا لا يعني أنه لا يمكن أن يغير هذه الصفة الذميمة بل يمكن أن يكتسبها من خلال الممارسة ومعرفة فوائدها، وأحياناً يكون الرجل أنانياً يهمه راحة نفسه للأسف ولا يحس بمشاعر زوجته ولا بمن حوله، وأحياناً يفرغ مشاعره لدى الآخرين فإن أتى إلى زوجته يكون قد استنفد كل مشاعره لغيرها، وهذا تفريط شديد فإن أحق من تبث له المشاعر هي الزوجة يقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).

التجئي إلى الله سبحانه وتضرعي بالدعاء بين يديه وأنت ساجدة لله، وسليه أن يلين قلب عمتك وزوجك، وأن يؤلف بين قلوبكم وأن يلهمه الرشد، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

لا تفكري حالياً بالانفصال، وابدئي بما ذكرت لك، وراقبي هل هنالك تقدم أم أن الأمور كما هي، وفي حالة عدم التحسن تقدمي باستشارتك إلى الموقع، ولعلك تجدين من يدلك على طريقة التعامل معه في تلك الحال.

نسعد بتواصلك ونسأل الله لنا ولك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً