الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طفلتي لا تريد البقاء معي وتفضل أهلي.

السؤال

السلام عليكم.

أنا أم لطفلة عمرها أربع سنوات ونصف، المشكلة بدأت معي عندما كان عمرها عشرة أشهر، كنت بعيدة عن أهلي، ومررت بظروف مالية ومشاكل أسرية كبيرة، مما دفعني للعمل، ولرفض حماتي مساعدتي في تربية ابنتي وبقائي قربها، قررت إعطاء ابنتي لأهلي في الوقت الذي سأعمل فيه على تحسين وضعي واسترجاع ابنتي، مرت سنتين، كنت أزورها بعد مرور شهرين أو أكثر.

أنا أعرف أن أمي عصبية وسريعة الانفعال، الأمر الذي جعلني أخطط للاستقرار قرب أهلي، بعد هاتين السنتين قررت البقاء مع ابنتي، وبعد أشهر لحق بي أبوها واستقررنا في منزل قرب أهلي، لكن ابنتي ترفض البقاء معي، إنها متعلقة بأخواتي وأبي، كما أن أول مرة كنت قد زرتها بعد أن أعطيتها لأمي لم تعرفني، أنا اليوم أريد استعادتها، تعذبت سنتين في بعدها عني، واليوم أفكر في كيفية استعادة ابنتي.

أرجوكم ساعدوني بنصائحكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً وسهلاً بك أختي الكريمة, وسررتُ لثقتكِ بنا.
أتفهم مشكلتك ومشاعرك التي تعيشينها تجاه ما تمرين به من فراق لطفلتك الذي كان خارجاً عن إرادتك، ورغبتك الآن في لم شمل عائلتك، أنت وزوجك وطفلتكِ لتعيشون سوياً في بيت واحد وتعيدين بناء علاقة قوية وجميلة مع طفلتك "حفظها الله لك".

بداية اسمحي لي أن أصارحك بأنك قد أخطأتِ التصرف حينما تركتِ طفلتك وهي في عمر العشرة شهور، والخطأ الأكبر كان في عدم إخبارك لها والانقطاع الطويل عنها، فالتصرف الأسلم كان أن تخبريها وتصارحيها أنك ستضطرين أن تتركيها عند بيت جدها وجدتها لفترة من الوقت، حيث لديك أعمال ضرورية عليك إنهائها ومن ثم ستعودين إليها، وأنك تحبينها كثيراً في كل لحظة، وكان يُفضّل أيضاً لو كنتِ تُرسلين لها عن طريق والديك فيديوهات تتحدثين وتتفاعلين معها، فكل هذه الأمور كانت ستحميها نوعاً ما من الآثار النفسية لتركك لها فجأة دون إخبارها والتواصل معها, ولكن دعينا نترك الماضي في الماضي، ونركز الآن على رغبتك الكبيرة في بناء علاقة جميلة مع طفلتك.

فيما يخص إجابتي لسؤالك حول الخطوات الصحيحة التي تُوصلك للهدف المذكور، سأحاول تلخيص أفكاري في النقاط التالية:

• قبل أي شيء دعيني أخبركِ أنّ ردة فعل طفلتك المتمثلة برفضها البقاء معك وتعلقها الكبير بأخوتك ووالدك وأمك، هي جداً طبيعية مقارنة مع ما حدث معها، لذا أتمنى أن لا تأخذي موقفاً أو حساسية من ردة فعلها، بل على العكس تماماً، أتمنى منك أن تتفهمي تماماً مشاعرها التي دفعتها لتلك ردة الفعل، فحاولي أن تضعي نفسك مكانها، هي قد رأتْ نفسها في بيت جديد وأشخاص جدد، دون أي تمهيد نفسي للموضوع، وهي في عمر قرابة العام، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن وهي فترة ليست بقصيرة ثلاثة سنوات ونصف، قد تأقلمت مع أهلك، وائتلفت لهم وللمكان، وتعوّدت على وجودها بجانبهم، وتعززت بالدلال بينهم، وشعرت بالأمان معهم، فهم بمكانة الأهل لها، وفجأة وبدون سابق إنذار، تُخبرينها الآن أنّ عليها الانتقال لمكان جديد وأشخاص جُدد (بالنسبة لها)، هذا بلا شك مُتعب لنفسيتها جداً ومن الطبيعي أنها ستعطي ردة الفعل من الرفض للفكرة، والتعلق الزائد بأهلك، فما تعرضتْ له في طفولتها من تركك الفجائي لها قد جعلها تتعلق بشكل مُفرط بالأشخاص (الذين يمثلون لها دائرة الأمان) بسبب خوفها الداخلي أن يتركوها فجأة.

لذا أنصحكِ عزيزتي أن تتبعي التدريج الشديد معها, مع الصراحة المطلقة والإقناع وكامل الحب، هذه الخلطة ستكون دليلك للوصول إلى هدفك وهو "رغبتها بنفسها أن تعيش معك"، وذلك من خلال:

- أن تلغي حالياً مع نفسكِ فكرة انتقال طفلتك العاجل إلى بيتك، ودعيها مستقرة في بيت أهلك.

- اجلسي معها جلسة ود وأخبريها بكل صدق أنك أمها التي تحبها كثيراً وأنك اضطررت الابتعاد عنها، واعتذري منها كثيراً لذلك (وتأكدي أن الطفل يعرف تماماً كيف يسامح)، فالطفل لكي يبني الثقة مع والديه في أيامه الأولى عليه أن يلقى الصدق والصراحة منهما، وهذا للأسف لم تقومي به، لذا عليك الآن أن تؤمني داخل نفسك أن طفلتك وأي طفل آخر لديه قدرة استيعابية لفهم كل ما تتكلمه معه أمه، فقط المهم في الأمر أن تكوني صريحة معه في كل خطواتك، ومن حقه عليك أن لا تغيبي عنه فجأة دون ذكر وتوضيح للأسباب (وهذا الكلام ينطبق على الطفل منذ أيامه الأولى، فما بالكِ الآن وعمر طفلتك أربعة ونصف، أي من المؤكد أنها ستفهمك، فقط كوني معها صريحة بشكل مُبسّط يتلاءم مع استيعابها).

- اذهبي لبيت أهلك يومياً إن أُمكن، وتودّدي وتقرّبي لها عن طريق الهدايا المُحببة لها والقيام بالأنشطة واللعب سوياً فهذا سيجعلها تتعرف عليك عن قُرب وتستشعر محبتك لها ومكانتها لديك وتبدأ بالتعود عليكِ، وقومي بهذه الخطوات دون أي إجبار لها بالذهاب معك لبيتك.

- اطلبي من أهلك وتحديداً الأشخاص الذين تعتبرهم طفلتك الأقرب لها، أن يُحدّثوها عنكِ بشكل إيجابي وعن محبتك الكبيرة لها، وأنك اضطررتِ للابتعاد عنها ولكنك كنتِ دائماً على اتصال معهم لتطمئني عنها، ولم تغبْ هي عن فكركِ وقلبكِ ولا لحظة، فهذا سيلعب دوره في التأثير الإيجابي عليها.

- حاولي الفترة القادمة أن تطلبي من أهلك إخراج طفلتك للمشاوير والأماكن المفضلة لديها، وانضمي لهم، وحاولي أثناءها التودد لها أيضاً، فقيامك بهذا أثناء تواجد أهلها سيُسهل عليكِ المهمة, حيث بذلك تحافظين على شعورها بالأمان "بوجود أهلك بجانبها" ولا تنسي أن هدفنا هو إعادة بناء مكانتكِ في قلبها وزرع ثقتها بك بالتدريج.

- قومي بشكل دوري بدعوة أهلك مع طفلتك إلى منزلك، وأثناءها قومي بطهي الأكلات المفضلة لديها، واستمري في التودد لها من خلال الحديث واللعب سوياً، فقيامك بالأنشطة "المشتركة" بينك وبين أهلك وطفلتك ستسهل الأمور كما أخبرتكِ.

- تذكّري دائماً أن هدفك هو أن تُشعري طفلتك بالأمان الكامل تجاه والديها، وأكبر غلط أن تُجبَرْ طفلتك على ترك بيت أهلك والذهاب إلى منزلك أنتِ ووالدها والعيش معكما، فهذا سيُسبّب لها أزمة جديدة ومُضاعفة من عدم الثقة بأهلك لأنهم تركوها فجأة وتخلوا عنها "وهذا الشعور من عدم الثقة عندما يتكوّن لدى الطفل بسنواته الأولى فإنه يُعممه على علاقاته المستقبلية بكل الناس"، وبالمقابل لن تشعر أيضاً بالأمان نحوك لأنك أخذتِها من دائرة الأمان الخاصة بها، وبعيداً عن رغبتها، لذا اتركي الموضوع تماماً للزمن والتدريج (قد يأخذ عدة شهور، فلا تقلقي)، حتى تجدينها أنها قد أصبحت جاهزة تماماً للفكرة، وأصبحت تشعر بكامل الأمن والأمان والسلام والثقة نحوك ونحو والدها، كما كانت تشعر بذلك نحو أهلك (التي تعتبرهم أهلها).

- من المهم أن تعلمي أن طفلتك لديها قلق داخلي أنها إنْ تعلقت بكِ مُجدداً فإنكِ قد تتخلين عنها مُجدداً، وهذه الفكرة مُقلقة لها بلا شك، وخاصة إنْ كان ذلك دون إخبارها مُسبقاً، كما فعلتِ معها سابقاً، لذا أتمنى منكِ حتى لو وجدتِ ردود فعل سلبية من طفلتكِ تجاه أية مبادرة منكِ نحوها، أن تستوعبيها وتحتويها بمحبتك الكبيرة لها، وأن تبني العلاقة بينكما ليغلب عليها الثقة والصدق، وألا تغيبي عنها على الإطلاق دون علمها (حتى لو كان لنصف ساعة فقط), هذا الأمر سيُزيل تدريجياً القلق داخلها ويبني لديها الثقة نحوكِ.

- من المهم أيضاً حينما تصلين لهدفك وهو زرع محبتك بقلبها والثقة نحوك، وعندما ترين أنها أصبحت جاهزة لفكرة العيش معك، أن تجلسي معها أنتِ وأهلكِ سوياً وتخبروها أنها لن تخسر أبداً أهلك، فهم ما زالوا أهلها الذين يحبونها, وسيستمرون في لقاءها بشكل مستمر, وتستطيع هي في أي وقت أن تُخبركِ برغبتها للذهاب إليهم، وأنتِ بنفسك ستأخذينها إليهم لقضاء وقت ممتع بالقدر الذي ترغبه.

ختاماً: أتمنى أن تكوني قد وجدتِ الفائدة في إجابتي لك، وأتمنى أيضاً أن لا تترددي في مُراسلتنا مُجدداً إن كانت لديكِ أية استفسارات أخرى وللاطمئنان عنكِ وعن طفلتكِ.
بأمان الله

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً