الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قهرية مزعزعة للعقيدة

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب في مقتبل عمري، طموح ومتفوق في دراستي، والحالة المادية جيدة جداً، ومتدين وأدرس في المسجد منذ كان عمري ست سنوات، وهكذا كانت نشأتي في طاعة الله، فكنت أشعر بأني أسعد خلق الله لأني كنت بارا بوالدي، مقيماً لصلواتي، بعيداً عن الذنوب والمعاصي، إلى أن صار عمري خمسة عشر سنة، ومن غير سابق إنذار انطبع عقلي وتفكيري بطابع الموت فلا أفكر إلا في الموت، وصرت أخاف منه خوفاً فظيعا لدرجة أن مستواي الدراسي قل عن ما كنت عليه؛ لأنني كنت أسرح بتفكير في الموت في كل حين، في البيت، في المدرسة، في الطريق، في الصلاة، على مأدبة الطعام على فراشي في كل وقت وحين، وحتى ظن الناس أني جننت.

فذهبت إلى طبيب نفسي فأعطاني موتيفال؛ فتحسنت ثم عاد فاستعملت نفس الدواء فتحسنت ثم عاد وليته لم يعد! وبعد صراع طويل مع هذا المرض وبحكم تديني ثارت في ذهني عدة أسئلة عن العقائد الإسلامية كالصوفية والوهابية والشيعة فكنت أسأل نفسي: هل أنا على حق في تديني؟ هل سأدخل الجنة أم النار؟ من الفرقة الناجية؟ هل أنا منها؟ فأصبت باكتئاب شديد بسبب هذا الوساوس القهرية (بحسب تشخيص الطبيب النفسي)؟

وهكذا بدأت أقلل في عباداتي، وبدأت الأمور تتطور إلى الأفظع، إلى أن شاهدت عالم دين مسيحي يتحدث عن المسيحية، وبحكم أنني أعاني من الوسواس القهري بدأت أتساءل: من مننا على الصح؟ وبدأ الشك يراودني وأقول: أنا مسلم وغيري مسيحي، وهناك ناس يهود، وهناك ناس هندوس وبوذيون، من من بين هؤلاء على الحق؟

وكانت حالتي النفسية تزداد سوءا يوماً بعد يوم، وبدأت أقرأ في الكتب بحثاً عن الدين الحق، فكنت أقرأ بعض الشبهات في الإسلام والرد عليها فلم أقتنع بأي دين ليس ذلك من ضعف الدين نفسه ولكن من قوة الوسواس الذي حل بي، فأنا الآن بلا دين!!! لكن أعتقد جازما بوجود الله ومتعطش لعبادته، وما زلت أصلي وأصوم لكنني لا أستطيع اعتناق أي دين من الأديان؛ لأنني أرى لكل دين شبهات وأقول لنفسي لو اعتنقت ديننا ما فقد يكون ديننا باطلا.

وهكذا تفاقمت الأمور إلى درجة أنه كان يخطر ببالي خواطر عن الله لا تليق بجلالته (كضعفه) و(شكله) أو حتى عدم وجوده (أستغفر الله رب العالمين)، إلى أن وصلت إلى قاب قوسين من الجنون وصلت إلى حالة اكتئاب لا تطاق، تمنيت لو أني لم أخلق أصلاً، عندها ذهبت إلى الطبيب النفسي وشخص المرض بأنه وسواس قهري فأعطاني Fluzac وTrianil فتحسنت حالتي بشكل كبير جداً لكنني ما زلت محتارا بين الأديان! لن أستطيع اعتناق أي منها إلا بمعجزة ملموسة تحدث أمام عيني وليس ذلك تعنتا مني لكنه خوفي الشديد من أن الدين الذي سأعتنقه قد يكون ديننا باطلا، والسبب الثاني هو كثرة الشبهات لكل الأديان (أو الوسواس القهري يصور لي هذا) فبالله عليكم أفيدوني، وماذا أفعل لكي أكون إنساناً طبيعياً؟ وكيف أتخلص من مشكلتي؟ وما هي أسس الدين الحق؟ وما المعيار الذي يختار به الدين؟ وهل أترك أمري لله وأنشغل بدراستي إلى أن يحلها الحلال كما يقال خصوصاً أنني عندما أبحث عن الدين الحق أزيد الطين بلة وأزيد نفسي اكتئاباً؟ فأرجو منكم ردا شافياً فأنا ميولي التدين وأريد ديناً حقاً أعبد به ربي الحق، وكيف أحافظ على مستوى دراستي من الهبوط وحالتي النفسية من التدهور، فأرجو رداً وافياً وشافياً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجزاك الله على خيراً على رسالتك والتفاصيل التي وردت فيها.

لا شك أنك مصاب بحالةٍ من الوسواس القهري، وقد تدرجت حالتك، حيث أنها كانت بسيطة في بداية الأمر، ثم تطورت إلى أن بلغت الشدة والإطباق الذي جعلك تعيش في هذه الحالة التي لا نرضاها لك، وأنا على يقين أنك لا ترضاها لنفسك، ولكن ليس على المريض حرج بإذن الله.

الشيء الذي أريد أن أوجهه لك أن دين الحق هو الإسلام، والسبب بسيط جداً؛ لأن الله تعالى قد ارتضاه لنا.

لابد لك أيها الأخ الفاضل أن تحقر هذه الأفكار الوسواسية، أن تحقرها لدرجة الإهانة المطلقة، وبتحقيرها ستجد إن شاء الله أنه بدأت تظهر لك أفكار مخالفة لها.

أنت في حاجة أيضاً لمقابلة أي طبيب نفسي يوثق به في منطقتك؛ لأنك تحتاج إلى برامج علاجية يومية تقوم على التخاطب والحوار، والعلاج السلوكي، والذي هو في أصله يقوم أيضاً على بناء أفكار مضادةٍ للفكرة الوسواسية.

الأدوية التي وصفها لك الطبيب هي أدوية جيدة، ولكن سيكون من الأحسن لك أن ننقلك إلى مجموعةٍ أخرى من هذه الأدوية أكثر قوة وفعالية، والدواء الذي أفضله في حالتك هو فافرين، تبدأ بتناوله بجرعة 50 مليجراماً ليلاً بعد الأكل، ثم ترفع هذه الجرعة بمعدل 50 مليجراماً كل أسبوعين، حتى تصل إلى 300 مليجرام في اليوم، تأخذها مجزأة بواقع 100 مليجرام (ثلاث مرات في اليوم)، أو 100 مليجرام في الصباح، و200 مليجرام ليلاً، وعليك أن تستمر على هذه الجرعة لمدة عامٍ كامل، ثم بعد ذلك يمكن أن نتواصل بإذن الله ونرى الكيفية التي يخفض بها الدواء، وهنالك دواء آخر يجب أن تتناوله مع الدواء الأول، يعرف باسم رزبريدون، والجرعة المطلوبة في مثل حالتك هي 2 مليجرام ليلاً، وتستمر عليه لمدة ستة أشهر.

هذه الأدوية أيها الأخ الكريم تُزيل الوساوس القهرية بنسبة 90%، وهي نسبة عالية جداً، والأدوية تعتبر مدعما حقيقيا للعلاج السلوكي، فقط تتطلب الالتزام بالجرعة والصبر على تناولها.

هنالك بعض الدراسات تُشير إلى أن الوساوس القهرية إذا لم تستجب لطرق العلاج السالفة الذكر، وهذا لا أتمناه قطعاً سيكون الحل هو الجلسات الكهربائية؛ حيث أنها أيضاً فعالة وجيدة في الحالات المستعصية، وهي ليست بالسوء الذي أُشيع عنها، فهي علاج سليم خاصةً وأن الأجهزة الحديثة سهلت من طريقة إعطاء هذا العلاج بصورةٍ سليمة وممتازة جداً.

أرجو -أيها الأخ الكريم- أن تُقابل أحد الأطباء، وإذا لم يتيسر ذلك فعليك أن تبدأ في تناول العلاج، وأن تلتزم بالإرشادات السلوكية، وأود أن أسمع منك بعد شهر من بداية العلاج، وكلي أمل في أنك سوف تبدأ في ذاك الوقت في الشعور .

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً