الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي الصغيرة على طريق الضياع، فكيف أعيدها إلى الصواب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أختي الصغيرة عمرها 13 سنة، نحن نسكن في الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات، خلال هذه السنوات بدأت أختي بالتعرف على صديقات سوء بنفس عمرها، كنت أعلم أنهن سيئات، وقد حذرت أمي كثيرا، وطلبت منها أن تقطع علاقة أختي بهن، وأن تمنعها من الخروج معهن، ولكن أمي رفضت كلامي بحجة ان لا نضيق عليها، علما أن أمي إنسانة متفائلة للغاية، وتظن بالناس الخير دائماً.

وخلال هذه المدة كنت أخشى أن تصبح أختي فتاة فاسدة، وكنت أعلم أنها سوف تنجرف للطريق السيء، وفي هذه السنة بدأت أختي تعارض أمي كثيراً، وتهددها بأنها سوف تتصل على الشرطة إذا قامت بضربها أو بالصراخ عليها، وهذا الشيء أفقدني صوابي، فكيف لطفلة أن تهدد أمها؟

أمي تقول أن السبب المجتمع الأمريكي وقوانينه التي تمنع ضرب الطفل أو تخويفه، وقد يعاقب الأهل على ذلك، لذلك لا نعرف ماذا نفعل؟ أحاول أن أعيد هيبة أمي، ولا أعطي أختي مجالا، ولكن أخاف أن تهرب من المنزل، فماذا أفعل؟ كيف نعيدها إلى الطريق؟ كيف أجعلها تحترمني وتحترم أمي؟ الأمر محزن للغاية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك ابننا العزيز، أتفهم حرصك وخوفك على أختك، أدعو الله أن تجد لدينا العون لتكون لها خير سند في غربتكم.

سؤالك يتمركز حول كيفية تصرفكم الأنسب مع أختك فيما يخص علاقتها بصديقاتها، وأيضاً تمردها على والدتها، وكيف تعيدون احترامها لكم.

بداية دعني أخبرك أن سلوكيات أختك المتسمة بالتمرد وإثبات الذات قد تكون تغيرات نفسية هامة مُرافقة للمرحلة العمرية التي تمر بها والتي تعرف بالمراهقة، وهي مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد، تشتد بعمر 12 و13 سنة -وهو عمر أختك-، فتظهر على شكل أنّ المراهق ينزع ثوب الطفولة ليرتدي ثوب الاستقلالية، بهدف أن يثبت لنفسه ولمحيطه وأولهم عائلته، أنه قد أصبح مُلْكاً لنفسه، وهذا أمر صحي على المنحى النفسي، فالمراهق يمر نفسياً بثلاث مراحل: القبول، المعارضة، ثم ينتهي بالتوازن، فهي مرحلة تصل بعدها إلى مرحلة التوازن بإذن الله تعالى.

ولكن ما يهمّني هنا هو تعامل الأسرة الصحيح مع الموضوع، لذا دعني أقدم لك بعض المقترحات والنصائح التي ستساعدكم في كيفية بناء علاقة إيجابية مع أختك:
- قد يبتعد المراهق في هذه المرحلة عن أهله لأنه لا يريد أي تحكم، فهو يبحث عن الاستقلالية داخل ذاته، ولا يريد نصائح متكررة ودائمة، لذا من المهم جداً أن تصاحبوا أختكم، وأن تجعلوا علاقتكم بها بعيدة كل البعد عن التحكم والأوامر، بل متسمة بالاحتواء والصبر والحوار والتفهم، وأرى أنك خير من سيفهم علي، فأنت قد مررت بنفس المرحلة منذ فترة ليست بالبعيدة، وكانت لديك نفس الاحتياجات، لذا أتمنى منك أن تكون لها ليس فقط الأخ الأكبر، بل الصديق الذي يشعر بها ويتفهم احتياجاتها ويعرف كيف يحاورها ويُقنعها.

هناك قواعد مهمة جداً في التعامل مع المراهق، إن التزمتم بها ستضمن لكم احترام أختكم ولينها في تعاملها معكم، وهي:
1- إعطاؤها الثقة والمسؤولية وتقدير الذات: أي أشعروها أنها شيء مهم، فهذا الشعور سيزيل لديها أية رغبة بالتمرد.
2- المدح: امدحوا لديها أية إيجابيات ترونها في شخصيتها أو سلوكياتها، فمديح الأهل يعني الكثير من الحب للمراهق، ويطفئ لديه الغرور ورغبة التمرد.
3- في حال رغبتكم بتغيير أية سلوك لديها لا تقوموا بفرض ذلك عليها، فذلك سيجعلها ترفضكم، بل اتركوا لها المساحة الحرة لتكون هي قائدة التغيير في نفسها، واطلبوا منها التفكير بالحلول لتشعر أنّها مسئولة عن نفسها، وكونوا لها السند والدعم خلال ذلك.

- لذا أهم نقطة ستساعدكم في التأثير الإيجابي بأختكم هي أن تجعلوا علاقتكم بها تتسم بالصداقة، ومفتاح ذلك هو الحوار وإحساسها بأنها قد أصبحت كبيرة، وترونها شيئاً مهماً له كيانه الخاص، وأيضاً تخفيفكم من النقد واللوم، وإصغاؤكم لها وإعطاؤها الوقت الكافي للتعبير عن أفكارها ومشاعرها، وتفهمكم لما تشعر به (وهي بحاجة أن تشعر بذلك حتى لو كان رأيها مخالفا لقناعاتكم)، وعدم الانفعال والصراخ والغضب عليها، والاحترام الكامل لها، فكل ذلك سيعكس لديها كم أنكم تقدرونها، وبالتالي سيخفف من تمردها عليكم، وسيجعلها أكثر تأثراً بكم واحتراماً لكم.

- فيما يخص المجتمع الذي تعيشون فيه: فبلا شك له تأثيره على تكوين شخصية الإنسان وترسيخ مفاهيمه وقناعاته، ولكن للتغلب على ذلك ركزوا أن تصبح علاقتكم بها متسمة بالصداقة كما تحدثنا (وهنا لا أقصد فقط والدتك بل أيضاً أنت، فلا يوجد أجمل وأقوى من علاقة الأخت بأخيها، وخاصة إن كان صديقاً لها، فذلك سيجعل لكلامك وأفكارك مكانة خاصة في قلبها وعقلها، وبالتالي أكثر تأثيراً عليها)، أي كلّما كان كلامكم معها يتسم بالحوار والنقاش والإقناع بعيداً عن التوتر والعصبية، كلّما انعكس ذلك في تقوية حصانتها النفسية الداخلية ضد أية متغيرات خارجية قد تتعرّض لها.

- من المهم جداً في تعامل الأهل مع أبنائهم المراهقين، وخاصة الذين يعيشون في أوروبا، أن يتم التركيز على مُحبّبات الدين، وأيضاً تنمية الجانب الأخلاقي والقيمي لديهم، والتسارع في تقديم المتع الحلال للمراهق وإغراقه بها قبل أن يُقدم هو على المِتع غير الحلال.

- أما فيما يخص صديقات أختك: فإن كانوا حقاً على سوء كما أخبرتنا، فتأكد أخي الكريم أنكم بمجرد أن تقووا علاقتكم بها وتقضوا وقتاً أطول معها بالإجازات والأنشطة المشتركة والأحاديث، كل هذا سيساعدكم أن تفهموا الجوانب التي تتأثر بها وتتعلمها من صديقاتها، وبالتالي ستتمكنون من التأثير عليها بشكل غير مباشر، وكن على ثقة أن الحصانة الحقيقية تأتي من خلال القناعات وهذه تتم زرعها وترسيخها فقط من خلال الحوار والإقناع والنقاشات الطويلة البعيدة عن الانفعال والتوتر، إضافة إلى تقوية الجانب الإيماني لديها، فهذا أكبر حصانة لها ضد أي تأثير سلبي خارجي.

- من الأمور التي ستسهل عليكم ابتعاد أختك من نفسها عن صديقات السوء هي أن توفروا لها البدائل من الصحبة الصالحة التي تجمع بين قوة الأخلاق والإيمان والالتزام السلوكي، وبين الفاعلية في المجتمع.

أتمنى أن تكون قد وجدت الفائدة من إجابتي لك، وأتمنى أن لا تتردد من مُراسلتنا مُجدداً إن كانت لديك أية استفسارات أخرى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً