الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الوسواس القهري في الأمور الدينية، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
جزاكم الله خيراً.

أنا مريضة بالوسواس القهري الفكري -أفكار كفرية وأفكار دينية رديئة، وغيرها-أسأل الله أن يشفيني وأن يعافي أمة المسلمين.

قرأت الكثير من الفتاوي بأن مريض الوسواس لا يؤاخذ على الأفكار التي تراوده في نفسه ما لم يتلفظ أو يعمل بها.

حاولت جاهدة أن أبعدها عني بالاستعاذة دوماً منها، ولكن مع الأسف دون جدوى، أنا على هذه الحال لمدة طويلة، لكن حدث مرة أن قمت بتذكر أول فكرة طرأت على بالي أثرت هذه الوسوسة وتذكرت الكلمة التي استعملتها في عقلي لكي أتخلص من هذه الفكرة الكفرية (كانت هذه طريقة كي أتخلص من الفكرة الوسواسية باحضار ضد لها) ونطقت بها خطأ، لم أكن أنوي النطق بها لكن هل يعتبر التلفظ بها كفراً، لأنها أتتني بسبب الفكرة الوسواسية الكفرية.

منذ تلك اللحظة وأنا أشك، هل نطقت كفراً أم لا؟ وتشهدت عدة مرات لكي أجدد إسلامي، ولكن ما زالت الشكوك في نفسي، هل كفرت أم لا؟

أفيدوني، لأني الآن في حالة مزرية، وأصبحت تأتيني شكوك بكوني غير مريضة بالوسواس، وبأن كل الأفكار التي تأتيني هي من نفسي، مع أني أبغضها ولا أرضاها وأكرهها بشدة، وأرجو التخلص منها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حالتك تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك أن الذي تعانين منه هو وسواس قهري، ذو طابع ديني – كما تفضلت – والمحتويات الدينية في الوساوس كثيرة جدًّا، كما تفضلتِ أفتى العلماء – جزاهم الله خيرًا – أن صاحب الوسواس هو من أصحاب الأعذار، وإن شاء الله سيفيدك الشيخ أحمد الفودعي حفظه الله في هذا المجال بما يفيدك.

من سمات الوسواس أيضًا هو أنه يجرُّ صاحبه نحو الحوار ونحو التحليل والدخول في التفاصيل، ومحاولة إخضاع محتويات الوسواس للمنطق، وهذا يُولّد وساوس جديدة، وهذا هو الذي حدث لك بالضبط، حين حاولت أن تبحثي عمَّا هو مضاد لفكرة الوسواس من أجل أن تصرفي الانتباه عنه وقعت فيما وقعت فيه، وهذا وسواس في حدِّ ذاته، فلا حرج عليك – أيتها الفاضلة الكريمة –.

سيظل التجاهل والتحقير وصرف الانتباه هي الأسس العلاجية السلوكية الرئيسية للوسواس القهري، لكن التجاهل يجب أن يبدأ عند الوهلة الأولى، عند بداية الفكرة، أو قبل أن تتكون الفكرة، عندما تبدأ خاطرة بسيطة، هنا تُخاطبين الفكرة الوسواسية قائلة: (أقف، أقف، أقف، أقف، أنتَ تحت قدمي، أنتَ وسواس حقير، أنا لن أهتمّ بك، ...) وهكذا تُرددين مثل هذا القول بقوة وعزيمة وإصرار، كأنك تخاطبين الوسواس كشخص يقف أمامك.

هذا تمرين يُكرر عدة مرات، والبعض ننصحهم أن يُكرروا هذا القول حتى يحسّوا بالإجهاد، هذا وُجد أنه من التمارين المفيدة جدًّا، ويُسمَّى تمرين (إيقاف الأفكار).

هنالك تمارين نُسمِّيها بـ (تمارين التنفيريّة) بأن تقرني الوسواس بشيء مخالف له، مثلاً تقومي بشم رائحة كريهة، وفي نفس اللحظة تستجلبي الخاطرة الوسواسية، وفي بداياتها تشمّي هذه الرائحة، وُجد أن الجمع ما بين الفكرة الوسواسية وأي تفاعل أو إحساس مبغوض ومرفوض لدى الإنسان يُضعف من الوسواس.

تمرين آخر: مثلاً أن تستجلبي الفكرة الوسواسية وتقومي بضرب يدك على سطح صلب – كسطح الطاولة مثلاً – ويجب أن تُوقعي الألم بنفسك بشدة، فإذًا إيقاع الألم على النفس مع جلب الخاطرة الوسواسية سيُضعف الوسواس، لكن هذه تمارين يجب أن تُكرر، ويجب أن تكون هنالك قناعة مطلقة بجدواها.

صرف الانتباه عن الوسواس من خلال: أن تشغلي نفسك بما هو مفيد، أن تُحسني إدارة وقتك، لأن من أسوأ الأشياء التي تجعل الوسواس يستشري ويستحوذ على فكر الإنسان ويكون مُلحًّا هو الفراغ الزمني أو الفراغ الفكري. وحين تأتيك الخاطرة الوسواسية مثلاً خذي نفسًا عميقًا، غيري مكانك، تذكري شيئًا آخر... وهكذا.

أنت محتاجة لعلاج دوائي، وأنا أبشرك أن الدواء سوف يفيدك تمامًا، وهنالك دواء سليم يناسب عمرك يُسمَّى (فافرين) واسمه العلمي (فلوفكسمين). تشاوري مع أهلك واذهبي إلى طبيب نفسي، والفافرين يتم تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة عشرة أيام، ثم تكون الجرعة مائة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم مائتي مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، ثم يتم التوقف عن الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
+++++++++

مرحبًا بك -ابنتنا- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يشفيك وأن يعافيك من داء الوسوسة، والوسوسة مرضٌ إذا سيطر على الإنسان أفسد عليه حياته، وأوقعه في أنواع من المشقة والحرج، ولهذا نحن ندعوك إلى الجد والاجتهاد في الأخذ بالأسباب التي تدفع عنك هذه الوساوس، وسيشفيك الله تعالى منها ويُزيلها عنك، فإنه ما أنزل داءً إلَّا وأنزل له دواء، وقد أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالتداوي، فقال: (تداووا عباد الله).

دواء هذه الوساوس قد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أخذت به بجدٍّ أذهبها الله عنك، أول هذه الخطوات الاستعاذة بالله تعالى وطلب الحماية منه، فكلَّما هاجمتك هذه الأفكار بادري إلى الاستعاذة بالله تعالى، قولي: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وكرري هذه الاستعاذة، واقرئي سورتي الفلق والناس، {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}، فإن الاستعاذة تطرد الشيطان، وهذه الوساوس مصدرها الشيطان.

الخطوة التي تليها – الخطوة الثانية – أن تنصرفي عن هذه الأفكار بالكلية بأن تشتغلي بشيء آخر، لا أن تسترسلي معها وتبحثي لها عن إجابات أو نحو ذلك من التفاعل مع هذه الوساوس، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فليستعذ بالله ولينتهِ)، الانتهاء يعني: الانصراف عنها والاشتغال بغيرها فيما يُفيد، وإذا فعلت ذلك فإن الشيطان ييأس منك وينصرف عنك إلى غيرك.

مهما جاءتك هذه الوساوس بأفكار أو تخويفات أو غير ذلك لا تعبئي بها ولا تهتمّي بها، وانصرفي عنها إلى غيرها.

الأمر الثالث الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو الإكثار من ذكر الله تعالى عمومًا، قال: (فليقل آمنتُ بالله)، فالإكثار من ذكر الله تعالى طاردٌ للشيطان وحماية للإنسان، فالذكر حصنٌ حصين يتحصن به المسلم من عدوّه الشيطان، فأكثري من ذكر الله على الدوام، ولازمي أذكار الساعات المختلفة في اليوم والليلة، وأكثري من قراءة القرآن، فإذا فعلت ذلك ذهبت عنك وساوس الشيطان بإذن الله تعالى.

مع هذه التوجيهات النبوية ينبغي أيضًا الأخذ بالأسباب المادّية، إذا وصف لك الطبيب دواءً يُساعدك على التخلص من الوساوس فخذي به، فإذا فعلت هذه الأمور مجتمعةً فإنك ستُشفين بإذن الله تعالى عن قريب.

أمَّا ما ذكرتِ في استشارتك من كلماتٍ وهل نطقت بها أو لم تنطقي بها، فإن ما يُريحك ويُذهب عنك المشقة والحرج والضيق هو أن تعلمي أن مَا ينطق به الإنسان تحت تأثير الوساوس غير مُؤاخذ به، فالعلماء يجعلون الموسوس كالمُكرَة الذي ينطق الشيء تحت الإكراه، والإكراه مانع من المؤاخذة والعقاب، فلا تلتفتي إذًا لما تلفظت به، وأنت على إسلامك وإيمانك، وممَّا يُبشّر أنك على الإسلام والإيمان هو أنك تكرهين هذه الوساوس الكفريَّة وينفر منها قلبُك، وهذا دليل على وجود الإيمان، فالنبي صلى الله عليه وسلم لمَّا شكى إليه أحد الصحابة أنه يجد في نفسه ما يخاف أن يتلفظ به قال له: (ذاك صريح الإيمان)، فوجود الإيمان في القلب هو الذي يجعل الإنسان في ضيق وحرج من هذه الوساوس، فأنتِ على إسلامك وإيمانك.

نسأل الله تعالى أن يثبتك وأن يثبتنا جميعًا، وأن يصرف عنك هذا الداء، إنه سميعٌ مُجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً