الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

متزوجة حديثا وأشعر بضيق دائم وحنين للأهل!

السؤال

السلام عليكم

أنا حديثة الزواج، متزوجة منذ أسبوعين، ومنذ أن تزوجت وخاصة قبل انتهاء فترة شهر العسل وأنا أشعر بضيق، وخاصة في قلبي وصدري، دائماً، ولا أدري ما السبب؟! ليس هناك ما يدعو لهذا الضيق، فزوجي -حمداً لله- رجل كريم وطيب.

أنام وأستيقظ وعندي رغبة كبيرة في البكاء، ولا أستطيع الاستمتاع بأي شيء، أشعر بثقل في جسمي، والرغبة في النوم دائماً، ولا أقوى على القيام بأبسط الأعمال المنزلية، ولا حتى لدي الرغبة في تناول الطعام، حتى وأنا في قمة الجوع.

عندي حنين دائم إلى أهلي، وأتمنى العودة والجلوس بينهم، علماً أننا قريبون جداً من بعضنا من ناحية السكن، وأشعر دائماً بالخوف والقلق.

علماً بأني عندما أرغب في شيء بشدة، بفضل وكرم من الله يتحقق لي ما كنت أتمنى، ولكن يحدث لي هذا الشعور، وهو الخوف والقلق والضيق الدائم، ولا أستطيع الاستمتاع بما رزقني به الله!

أرجو الحل لهذا، لأنه للأسف يؤثر علي وعلى علاقتي بزوجي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سما حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك أختي العزيزة، أدعو الله تعالى أن يبارك لكِ في زواجك، ويجعل حياتكما أنتِ وزوجك مليئة بالتفاهم والمودة والرحمة.

مشكلتك التي طرحتِها علينا هي كآبة ما بعد الزواج.

لا تستغربي أختي الكريمة، فكل ما تشعرين به من أعراض اكتئابية (شعور بالضيق والحزن والخوف والقلق، اضطرابات في النوم، رغبة مستمرة بالبكاء، عدم القدرة على الاستمتاع بالأشياء التي كانت تُمتعك، اضطرابات في الأكل، انخفاض في الهمة والطاقة، عدم الاهتمام بالنفس وبالطرف الآخر) تندرج تحت ما يسمى اكتئاب أو كآبة ما بعد الزواج.

هذه المشكلة تصيب العديد من الأزواج (نسبة النساء أكثر) بعد زواجهم -كما حدث معك تماماً- وإنْ استمرت لعدة أسابيع دون إدراكها وعلاجها فقد تتحول إلى اكتئاب يحتاج إلى تدخل من أخصائي نفسي، حيث إن فترة تجاوز الفتاة لهذه المشكلة تختلف وفقاً لقدرتها على إدراك مشاعرها بوقت مبكر، ومن ثم محاولتها التعامل معها بشكل صحيح، وهاتان الخطوتان هما ما تقومين به حالياً، فأرى أنكِ على درجة عالية من استبصار الذات حتى إنك قمت بمراسلتنا بعد أسبوعين فقط من زواجك، ومراسلتنا تعني رغبتك الحقيقية لتجاوز المشكلة، وهذا ما يجعلكِ في الطريق الصحيح لتجاوزك لها.

قد يحدث أحياناً أننا لا نرى سبباً واضحاً لتغير حالتنا النفسية والمزاجية، ولكن هذا لا يعني على الإطلاق عدم وجود سبب وراء ذلك، بل كل ما في الأمر أننا بحاجة إلى أن نختلي بأنفسنا قليلاً لنرفع من سوية إدراكنا واستبصارنا لذواتنا، وخاصة إن كنا نمر بمرحلة حياتية جديدة ومختلفة تماماً علينا "كما يحدث معك في بدء خوضك في مرحلة الزواج".

أي هناك أسباب عديدة محتملة لمشكلتك قد تكون واحدة من الأسباب التالية، ومحاولتك فهم السبب سيسهل عليك الوصول للحل بنفسك:

- هل أنت من النمط الذي يضع لنفسه توقعات عالية قبل خوضه أية تجربة؟ أي هل وضعت لنفسك توقعات مسبقة عالية عن الزواج، ولم تجديها على أرض الواقع مما جعلك تشعرين بالإحباط.

- هل أنتِ من نمط الفتيات الذي لديهن تعلقاً كبيراً بالأهل؟

- هل أنتِ من نمط الفتيات التي لم تخض تجارب حياتية عديدة في حياتها، مما جعل مرونتك النفسية قليلة بعض الشيء، وبالتالي تجدين نفسك تواجهين صعوبات أكثر من قريناتك في أية تجربة حياتية جديدة تخوضينها، فما بالك بالزواج الذي يعتبر تجربة مختلفة كلياً بجذورها؟

- افتقادك للجاهزية للتكيف مع مسؤوليات الزواج الجديدة، والاختلاف الثقافي والفكري وفي العادات بين الزوجين؟

- عدم قيامك بتحضير نفسك للزواج من خلال قراءتك المكثفة عن الموضوع بصعوباته وجوانبه المختلفة، أي هل كان لديك أساساً متيناً من المعلومات حول الحياة الزوجية وصعوباتها أم لا؟

- ماذا عن رؤيتك للزواج؟ هل ترينه هدفاً بحد ذاته للسعادة، أم أنه مجرد وسيلة بناء للسعادة، وبداية لمرحلة حياتية جديدة؟

جميع هذه الأسئلة والأسباب المحتملة ستساعدك كثيراً في فهم نفسك والتفاعلات الداخلية التي تحدث لديك بشكل لا شعوري، فإدراكك لذاتك يضع التفاعلات الداخلية تحت المجهر، وبالتالي تنتقل من مستوى اللاشعور إلى مستوى الشعور والوعي، مما يصبح التحكم بها وتغييرها أكثر سهولة من طرفك.

سأطرح عليك الآن بعض الاقتراحات التي ستساعدك في تجاوز مشكلتك:

- لا تنغلقي على نفسك، واسمحي لزوجك الاقتراب منك "نفسياً" والإفصاح له عما تشعرين به، وأن يكون لك السند والصديق الذي يسمعك ويدعمك بكل حالاتك (وخاصة إن كان من النوع المتفهم)، حيث يلعب كل من التفاهم والعطف المتبادل بين الزوجين دوراً كبيراً في علاج الشريك من اكتئاب ما بعد الزواج.

- حاولي أن تفرغي عن مشاعرك في الفترة الحالية إلى شخص مقرب لك (صديقة مثلا تكون حكيمة وعلى خُلُق عال أو شخص مقرب من أهلك) تشعرين معها بالثقة والصدق، فهذا التفريغ سيساعدك على فهم نفسك أكثر، وهذا أكثر ما تحتاجينه في هذه المرحلة الجديدة من حياتك.

- كوني صبورة على نفسك، وتذكّري أن أول سنة زواج هي من أصعب الفترات على حياة ومستقبل أية علاقة زوجية، وخاصة على الفتاة تحديداً، فهي التي يطرأ على حياتها تغيرات كبيرة مقارنة مع الزوج.

- إنّ تجربة الزواج هي بمثابة صفحة جديدة في حياتنا، لذا حاولي أن تختبري بها مغامرات وتجارب جديدة عليكما، أي فكري أنت وزوجك بأية اقتراحات لأنشطة جديدة ومثيرة تقومان بها سوياً، فهذا سيخلق لديكما جواً إيجابياً مليئاً بالسعادة والإثارة، مما قد يكسر حاجز الضيق والملل الذي تشعرين به.

- فيما يخص مشاعر الحنين إلى أهلك التي تمرين بها، دعيني أخبرك عزيزتي أنها مشاعر بغاية الطبيعية وخاصة بالفترات الأولى من أية مرحلة حياتية جديدة نُقبل عليها، فتذكري معي الأيام الأولى التي دخلت فيها إلى الجامعة، ألَمْ تشتاقي وتحني إلى أيام الدراسة الثانوية؟

لذا ما تشعرين به الآن من حنين وشوق لأهلك وحياتك السابقة هو شعور طبيعي، وهذه المشاعر تحتاج منك إلى الاحتواء والتفهم، لتخف شدتها تدريجياً مع الوقت، فأنت تحتاجين إلى الوقت لبناء شعور الانتماء بينك وبين منزلك الجديد، وبينك وبين زوجك، وهذه المدة وسطياً قد تصل إلى عام كامل.

- كثّفي قليلاً من زياراتك لأهلك هذه الفترة، وخاصة إن كانوا من النوع المحب والحكيم، الذي يدخل الراحة والسكينة لقلب ابنتهم عندما تشعر بالحنين والشوق، وتذكري أن الزواج هو وسيلة لبناء حياتك المستقلة التي تكمل حياتك السابقة؛ لذا لست مضطرة أبداً أن تقطعي تواصلك الحميم مع صديقاتك وأهلك.

- كثفي من قراءتك للكتب التي تتحدث عن الحياة الزوجية ومراحلها وصعوباتها والكيفية الصحيحة لمواجهتها، أو انتسبي لدورات الاونلاين التي تتحدث عن كيفية بناء التفاهم الزوجي بين الشريكين، وحاولي الاطلاع على تجارب غيرك ممن سبقوك الى الزواج، فهذا سيشعرك بالراحة وبأن ما تمرين به هو شعور مؤقت ستتغلّبين عليه من خلال وعيك ورغبتك ببناء حياة سعيدة مع زوجك.

ختاماً: أتمنى أن أكونَ قد أفدتُكِ بإجابتي، ولا تترددي في مراسلتنا مُجدداً بأي وقت تشائين.
دمْتِ برعاية الله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً