الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضعف إيماني وصرت أخاف من كل شيء، فما العمل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت أكثر أهل بيتي إيمانا وأكثرهم أعمالا صالحة، أصلي الصلوات في وقتها، والآن ضعف إيماني بالله وأنا على حافة الشرك، وأحس أني منافقة، كلما رزقني الله نعمة أذهب وأعصيه.

أنا فتاة، ولكن لدي رغبة شديدة للذهاب إلى المسجد، ومخالطة العلماء والصالحين، ولكني أخاف من أشياء لا حول ولا قوة لها حتى الجماد، وحالتي هذه بدأت بعد ظهور الوباء، فهل هذا لأني دائما في البيت، ولأني لا أخالط الناس، أم أن هذه الحالة موجودة في نفسي من قبل الوباء؟ وهل أذهب للطبيب النفسي؟ مع أن أمي معارضة ولا تقبل، وأنا لا أريد أن أعصيها، وهل هذا الذي في نفسي من خوف وقلة الإيمان بالله غضب أو بلاء؟

أحبكم في الله جميعا يا من ترون رسالتي، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زينب حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
إن الإيمان ليعتريه شيء من الضعف عند غالبة الناس، ويعتري الجميع الفتور، ومن هنا كانت المجاهدة مطلوبة، ومحاولة عدم الانسياق والانجرار وراء الهوى والشيطان، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

الإنسان في هذه الحياة لا يكون على وتيرة واحدة في حياته، بل هو متقلب بين النشاط والجد والعمل وبين الكسل والفتور والتقصير، وقد أرشدنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى استغلال أوقات النشاط وإقبال النفس على العمل بجد ونشاط، ونبقي العمل مستمرا ولو بأدنى مستوى في حال الفتور والكسل، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك).

هذه الجائحة كانت سببا في فتور البعض في جانب العبادات، والسبب في ذلك الحجر الذي حصل للناس في البيوت، فمخالطة الصالحين تعطي للإنسان دفعة ونشاط في مجال العبادات التي تقوي الإيمان.

عليك أن تحافظي على أداء الفرائض في أوقاتها، وتجاهدي نفسك على فعلهان ففي المجاهدة عودة لما كنت عليه -بإذن الله تعالى-.

أكثري من سماع القرآن الكريم واستماعه، فإن ذلك مما يقوي الإيمان، ويجلب للقلب الطمأنينة كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

كلما أكثرت من الأعمال الصالحة التي فيها هداية واستقامة كلما ازداد إيمانك، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).

ابتعدي عن الملهيات التي تضيع لك وقتك، وأشغلي نفسك بكل مفيد يرفع من إيمانك، فالنفس إن لم تشغليها بالطاعة شغلتك بما ليس فيه نفع، إن لم تشغلك بما يسخط الله تعالى.

خالطي الصالحات من بنات جنسك، فالصالحة تدلك على الخير وتعينك عليك، والجليس الصالح بصماته واضحة كما قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّمَا مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالحِ والجَلِيسِ السّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِير، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) ويقال في المثل: الصاحب ساحب.

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وتحيني أوقات الإجابة وسلي ربك أن يرزقك الاستقامة ويقوي إيمانك ويثبتك على دينه، وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

قولك إنك على حافة الشرك رسالة سلبية لا ينبغي أن تقوليها، بل أنت مسلمة مؤمنة -إن شاء الله-، وإنما أصابك شيء من الفتور وسيزول -بإذن الله تعالى-.

تنافسي مع صديقاتك في بعض الأعمال الصالحة كصلاة الوتر والضحى، والمحافظة على النوافل التي قبل وبعد الفرائض، وعليك بالصيام خاصة في هذه الأيام، فإن الصيام فيها غنيمة باردة، والصيام من الأعمال التي تقوي الإيمان، واحرصي على أن يكون لسانك رطبا من ذكر الله تعالى، فكثرة الذكر يقوي الإيمان ويطرد الشيطان.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً