الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هاجرت بطريقة غير شرعية.. فهل أبقى مغتربا أم أعود إلى بلدي؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب، عمري 29 سنة، أعزب هاجرت إلى بلد أروبي بطريقة غير شرعية، لدي مستوى جامعي،
عندما وصلت إلى البلد الأروبي عشت ظروفا صعبة لا يعلمها إلا الله، فأنا مصاب بمرض روحي شيطان الحسد، حيث أنني كنت ممارسا للرياضة، وجسمي مفتولا ومتناسقا، فقدر الله أن أصبت بهذا الابتلاء،
وبدأت بتطبيق برنامج علاجي بقراءة القرآن، فيتكلم الشيطان على لساني لأنني أنا من يرقي نفسي بنفسي.

مشكلتي أنني أعيش وحيدا في غرفة بعيدا عن أهلي وعائلتي، وعند اشتداد الأعراض علي أصبحت أفكر في الرجوع إلى عائلتي في المغرب، لكن في نفس الوقت أنا حصلت مؤخرا على الإقامة، وهذه مشكلة أخرى تواجهني؛ لأنني كذبت في محكمة اللجوء وادعيت أنني مثلي جنسي لأحصل على حق اللجوء، والله لم يكن عندي حلا آخر، بكيت ليال متواصلة على الله أنني مضطر لذلك؛ لأن عندي أختا صغيرة طالبة التحقت مؤخرا بنفس البلد الذي أنا مغترب فيه، تدرس في الجامعة فكان يجب علي أن أبقى في نفس البلد لأجلها، كنت مضطرا إلى ذلك، والشيطان يقنطني من رحمة الله ويقول لي: أنت لن يشافيك الله من مرضك لأنك ادعيت أنك مثلي لتحصل على الإقامة.

والآن أنا في حيرة من أمري هل تنصحونني بترك الإقامة والرجوع إلى وطني رغم أنني والله كنت مضطرا للكذب للحصول على الإقامة؟

وللعلم لا أملك في وطني عملا، وليس لي فرصة أخرى للدراسة، وسأتعرض لشماتة الناس لأني إن عدت سأعود خالي الوفاض، أخاف أن تنتكس نفسيتي بهذا القرار، وأختي الصغيرة على الأقل لها أخ هنا سأجعلها وحيدة تماما.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
إني أنصحك أن تحافظ على دينك فتقيم الصلاة في أول وقتها، وتكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وتصوم بعض الأيام الفاضلة كالإثنين والخميس، والثلاثة البيض من كل شهر، وغض بصرك قدر المستطاع، فإن السكن في أوساط الفتن تفتن المسلم.

لقد حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من السكن في بلاد المشركين بسبب كثرة الفتن، والخوف من تردي التزام المسلم.

علاج المس والحسد يكون من خلال الرقية الشرعية فبجانب رقيتك لنفسك لو بحثت عن راق أمين وثقة في أقرب مركز إسلامي من أجل مساعدتك في الرقية فهذا شيء حسن.

من جملة ما سيعينك في الشفاء كثرة تلاوة القرآن الكريم واستماعه، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة.

يجب عليك أن تتوب إلى الله من كذبك أمام المحكمة، ومن شروط التوبة النصوح الندم، والعزم على ألا تعود مرة أخرى لمثل هذا الفعل، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

أكثر من العمل الصالح، واجتهد في تقوية إيمانك، فالعمل الصالح يذهب السيئات، والحياة الطيبة لا توهب إلا لمن آمن وعمل صالحا، كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

لا تترك أختك وحدها، وعليك أن تعينها كي تحافظ على دينها وتجتنب الفتن، وعليك أن تسكن معها، وأن تترك الغرفة الخاصة التي أنت فيها؛ لأن العيش منفردا يعني أن الشيطان ينفرد بك وربما أدخلك في دوامة من الوساوس.

لا تقنط من رحمة الله، فمهما فعل العبد من الذنوب ثم تاب إلا قبل الله توبته وغفر له ذنبه، فلا تصدق وساوس الشيطان؛ لأنه يريد أن ييئسك من رحمة الله، يقول تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ; وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).

لا تصغ لوساوس الشيطان، واحتقر تلك الوساوس واقطعها فور ورودها، ولا تتحاور معها، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم فبهذه الطريقة سيخنس منك الشيطان الرجيم.

لا علاقة لمسألة الشفاء والذنب إن تبت منه وندمت، فإن من تاب لا يحاسبه الله على ذلك الذنب.

لا بأس من بقائك مع الحرص على دينك وأخلاقك، والمحافظة على أختك، وألا تجعل ذلك البلد دار إقامة فخذ منك حاجتك وعد إلى بلدك، واحذر من التوسع في أمور الدنيا فإنها لن تنتهي أبدا.

صاحب الأخيار الذين يدلونك على الخير ويعينونك عليه، ولا تجالس الأشرار والمنحرفين فإنهم سم زعاف.

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لنا ولك العافية والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات