الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس واكتئاب وخوف من الموت.. أفيدوني كيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب بعمر ٣٣ عاما، منذ ١٢ عاما كنت دعوت على نفسى، وبعد شهرين كنت أشاهد برنامج دينيا، وتطرق إلى الدعاء، وسرد قصة الأم التى دعت على ولدها جريج، وأن الله استجاب دعوتها، ومنذ ذلك الحين أصابني الخوف الشديد من أن الله سيستجيب دعائي على نفسي، والذي أدخلني في حالة ضيق شديدة، ولم أعد أشعر بسعادة مطلقا حتى أيام الأعياد والأفراح، وكذلك وساوس في صلاتي.

بعد ٦ سنوات قررت أن أواجه هذا الأمر وأتغلب عليه، لكني لم أستطع وجاءتني وساوس أنني كافر، حتى أني كنت أنطق بالشهادة كل لحظة، وبعد ذلك قررت الذهاب إلى طبيب نفسي،و الذي أخبرني أنني أعاني من الوسواس القهري ووصف لي علاج انفرانيل، وعلاجا آخر لا أذكره، لم أتحسن، وذهبت لأداء العمرة، وبعد ذلك توقفت عن العلاج، ولكن بعد سنة قررت أن أتناسى وأتعايش، وخطبت وتحسنت بنسبة ٦٠ % وتزوجت وأنجبت، ولكن الوساوس والاكتئاب لم تنته، خوف من الموت على نفسي وعلى من أحبهم، وكذلك خوف من أن أعمل خطأ في عملي وأفقد وظيفتي، أو أضر أي أحد، وخوف عندما أسافر، وينتابني شعور بأني سأعمل حادثا وأموت، ووساوس في صلاتي، وتزداد عند قراءة القرآن، ومنذ شهر ازدادت حالة الاكتئاب مرة أخرى، ضيق شديد، وكرهت حياتي، وفي بعض الأحيان أتمنى الموت.
 
وكذلك هناك تخيلات جنسية كثيرة جدا تكاد لا تفارقني، ومع أنني هيئت لي أسباب السعادة والحمد لله، إلا أنني أعيش فى حزن واكتئاب وخوف من المستقبل وخوف من الموت، مع أنني أعرف أنه أمر الله، ولا مفر منه، إلا أن تذكره دائما يجعلني تعيسا.

بارك الله لكم، وأرجو الإفادة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Yossif حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخي: بالفعل أنت هيئت لك كل أسباب السعادة بفضل الله ورحمته، فيجب أن تعيش على الأمل والرجاء، هذا الوسواس الذي يأتيك وما يصحبه من مخاوف وقلق اكتئابي بسيط يعتمد على فكرك ومشاعرك وأفعالك، فاجعل فكرك فكرًا إيجابيًّا، وحقّر الوساوس، ولا تُناقشها، ولا تُحاورها.

أمَّا على مستوى المشاعر، فحاول دائمًا أن تكون في جانب الراحة النفسية، جانب الأمل، جانب الرجاء، أمَّا من حيث الأعمال فالإنسان إذا حسنت أعماله، وكان نشطًا وكان ملتزمًا بالقيام بواجباته وبالتواصل الاجتماعي، وحريصًا على أداء الصلاة في وقتها، قطعًا سوف تتبدَّل مشاعره، وكذلك أفكاره لتُصبح كلها إيجابية.

فأنا أدعوك أن تُحقّر هذه الوساوس، ولا تناقشها أبدًا؛ لأن حوار الوساوس ونقاشها يُؤصِّلها ويُثبِّتها ويجعلها مستحوذة وأكثر إلحاحًا.

الوساوس بدأت عندك حقيقة – كما تفضلت – من خلال استماعك لقصة جُريج، وهذا الأمر يا أخي لا ينطبق أبدًا عليك، حدث لك نوع من التماهي، فارفض هذا الفكر وتوكل على الله، ولا تناقش الوساوس، لا تحاور الوساوس، بل خاطبها قائلاً: (أنتَ وسواس حقير، أنا لن أحاورك ولن أناقشك) وتصرف نفسك إلى شيء آخر، تتأمَّل في شيء طيب، تتأمَّل في أمر مستقبلي إيجابي، تكون شخصًا منفتحًا على الفكر الإيجابي، وليس مُغلقًا في هذا الفكر الوسواسي.

ويا أيها الفاضل الكريم: أنت تعرف أن هذه الوساوس قد أتت حتى للصحابة الكرام، هنالك من اشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم على أحدنا أن يتكلّم به) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوجدتموه؟) قالوا: نعم، قال: (ذاك صريح الإيمان)، والرسول صلى الله عليه وسلم أوصانا أن نتجاهل هذه الوساوس، الواحد مِنَّا يجب أن يقول (آمنت بالله) ثم ينتهي، فأنت الآن – يا أخي – قل: (آمنت بالله، آمنت بالله، أستغفر الله، أستغفر الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ولا تحاور الوسواس، وأن انته تمامًا، والحمد لله الذي ردَّ كيد الشيطان إلى الوسوسة، ولم يكن أمرًا آخر.

فيا أيها الفاضل الكريم: التحقير، والانتهاء عن الوسواس والنهي عن المحاورة الوسواسية هو المطلوب.

وأنا أعتقد أنك في حاجة لعلاج دوائي – أخي الكريم – هنالك عقار يُسمَّى (سيرترالين) يُناسب جدًّا حالتك، دواء رائع يُعالج الخوف، يُعالج الوسوسة، ويُعالج الاكتئاب، ويُحسِّن المزاج. فإن كان بالإمكان أن تذهب إلى طبيب نفسي، فهذا أمرٌ جيد، وإن لم تكن تستطع الذهاب إلى طبيب نفسي، فيمكنك أن تتحصّل على السيرترالين من أي صيدلية، والسيرترالين له مسميات تجارية كثيرة، منها (زولفت)، و(لوسترال) وفي بلادكم أيضًا هنالك منتج محلي يُسمَّى (مودابكس)، كلها طيبة إن شاء الله تعالى.

الجرعة هي أن تبدأ بنصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا؛ لأن الحبة تحتوي على خمسين مليجرامًا – تتناول نصف يوميًا لمدة عشرة أيام كجرعة ابتدائية، بعد ذلك ارفع الجرعة واجعلها حبة كاملة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم ارفع الجرعة واجعلها حبتين يوميًا لمدة شهرين، وهذه هي الجرعة العلاجية، علمًا بأنها جرعة ليست كبيرة، حيث إن الجرعة الكلية هي أربع حبات، لكن حبتين يوميًا لمدة شهرين في حالتك سوف تكون جرعة كافية جدًّا، ثم بعد ذلك انتقل إلى الجرعة الوقائية بأن تتناول حبة واحدة – أي خمسين مليجرامًا – يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة يوميًا لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناول الدواء.

السيرترالين دواء سليم جدًّا، لا يُسبِّب الإدمان، فقط ربما يفتح شهيتك قليلاً نحو الطعام، كما أنه عند الجماع ربما يُؤخّرُ قليلاً القذف المنوي، لكنه لا يُؤثِّرُ أبدًا على الصحة الذكورية أو الإنجابية عند الرجل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً