الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من آثار الذنوب والسيئات، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم

هذه رسالة أود منها نصيحةً، وجواباً على كل ما فيها، وأرجو أن تضعوا أنفسكم مكاني، فإن شاء الله أجد ما أريد.

أعاني من مرض في قلبي، وهذا أتى بسبب كثرة النظر إلى الحرام، والتعلق بغير الله، واستصغار المعاصي، وعدم الحياء من الله.

قرأت كثيراً عن هذا وسألتكم مراراً، وبحثت أكثر وأسأل فلاناً وفلاناً، وهنا وهناك، ورغم أن الجواب هو نفسه، والعلاج واحد، لكن لا أعلم لماذا أواصل بحثي؟! كرهت نفسي بسبب كثرة بحثي وضياعي لوقتي.

هل هذا من الشيطان؟ أصبحت أمضي حياتي في البحث عن مشاكل قلبي، لا أنتفع إلا بما شاء الله، والحمد لله على كل حال.

أنا أعلم العلاج لا بل حتى إني عالجت نفسي، قرأت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتب الزهد ولكني عدت إلى مضلات الفتن، وتعلمت أسماء الله وصفاته، ومن ثم أيضاً عدت إلى الذنوب... حتى الآن أصبحت أعمى القلب، وأصبح صدري مظلماً، أشعر بهذا!

لا أملك شيئاً جديداً أفعله، أواجه فيه مشكلتي بل أصبحت ضعيفاً جداً، يداي لا أستطيع رفعهما للدعاء، وأبحث كثيراً عن أدعية أتشبث بها، لكن أيضاً لا أعلم ماذا أقول، بسبب شيء يخرج من قلبي.

أصبحت لدي خواطر سيئة في النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه رضي الله عنهن، ربما هذا صار نفاقاً، لكني من داخلي أريد أن أكون صالحاً شاباً يغار على دينه، همه الإسلام محب للخير، رحيم بالبشر، أريد هذه القسوة والخواطر والغفلة والدنيا أن يخرجوا ولا أستطيع إخراجهم.

أعلم أنه باللجوء إلى الله يكفيني، لكن كفاني مراراً كثيرة، فأعطاني نوراً عظيماً كان بيدي أفسدته، وأعطاني حباً للقرآن أنا أفسدته، وأعطاني كثيراً ولكني ظلمت نفسي أكثر الآن، وأقف تائهاً لا أعلم ماذا أفعل؟ وأين أذهب؟ حتى إني أصبحت أغار أو بالأحرى أتضايق من أن شخصاً هداه الله؟! يئست من إصلاح نفسي، وأن أكون صالحاً أو متقرباً إلى الله، أريد الآن فقط أن أدخل الجنة، لا أريد الدخول إلى النار.

كنت مجتهداً، أريد أن أكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم، الآن لا أفكر بهذا، أتمنى فقط أن أدخل الجنة، ولو كنت متسولاً فيها لا أبالي، فهذا يبقى أفضل من أن أتعذب في النار، والتسول في الجنة يكون هذا كرامة عظيمة من الله لي، رغم ما فيَ من فساد وفسوق، أشياء شنيعة وبشعة.

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مؤمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يَمُنَّ عليك بالهداية وإصلاح الحال، ويمكن أن نلخص لك – أيها الحبيب – إشارتنا لك في النقاط التالية:

أولاً: اعلم أن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعًا، فليس هناك ذنب أعظم من مغفرة الله، الله لا يتعاظمه ذنب، ومهما كثُرتْ ذنوب الإنسان فإنه إذا تاب إلى الله توبةً صادقةً محققةً لشروطها وأركانها فإن الله تعالى يغفر له ذنوبه مهما بلغت، وقد قال الله في الحديث القدسي: (يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا لأتيتُك بقرابها مغفرة)، يعني: بملء الأرض، وقال سبحانه: {قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}.

احذر من أن يستدرجك الشيطان للوقوع في اليأس والقنوط من رحمة الله، فذاك أقصى ما يتمنَّاه الشيطان.

ثانيًا: كن جادًّا في تخليص نفسك من هذا الواقع الذي أنت فيه، والله تعالى جعل لكل شيءٍ سببًا، وللهداية أسبابها، أوَّلُ هذه الأسباب: التوجُّه الصادق إلى الله تعالى بأن يهديك، وقد قال في الحديث القدسي سبحانه وتعالى: (يا عبادي كلُّكم ضالّ إلَّا مَن هديته فاستهدوني أهدكم)، يعني: اطلبوا الهداية من الله يهْدِكم. فتوجّه إلى الله بصدق وإخلاص أن يهديك ويثبتك على الهداية.

كذلك من الأسباب: عليك أن تتذكّر الفظائع والأهوال التي تنتظر أصحاب المعاصي في آخرتهم، فأكثر من ذكر المواعظ التي تُذكِّرُك بالنار وأهوالها، والقبر وما فيه من أحوال ومصائب، فإن هذا من أعظم ما يحثُّك ويُزعجك ويدفعك إلى التوبة، وفي المقابل: اسمع المواعظ التي تُذكِّرُك بالجنَّة وما فيها من الثواب وما أعدَّ الله تعالى فيها من النعيم لأهل الطاعة.

من أسباب الهداية وهو من أعظمها: الصُحبة الصالحة، فاحرص على مصاحبة الصالحين وتعرَّف إليهم، ابحث عنهم في بيوت الله تعالى، في مجالس الذكر، وحاول أن تملأ أوقاتك بصحبتهم، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى اختيار الأصحاب، وقال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل)، وذكر لنا قصة الرجل الذي قتل مائة نفس ثم تاب، فأرشده العالِم إلى أن يترك قرية الفواحش والمعصية وينطلق إلى قرية أخرى بها أُناس صالحون يعبد الله معهم، فالصحبة الصالحة أمرٌ في غاية الأهمية.

رابعًا: جاهد نفسك وتحمّل واصبر على فعل ما تقتضيه منك طريق الهداية والطريقة التي يُحبُّها الله تعالى، وإذا وقعت في معصية فبادر بعدها إلى التوبة، فالإنسان المسلم ليس معصومًا، ولو أذنبت مرات ومرات، فإنك ما دمت تتوب فإن الله تعالى يتوب عليك.

هذا هو الذي نستطيع أن نُرشدك إليه – أيها الحبيب – وندعو الله تعالى بعد ذلك أن يُوفقك وأن يأخذ بيدك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب خديجة

    اللهم ثبت قلبي على دينك اللهم أمين يارب العالمين

  • قطر عبد الرحمن

    جزاكم الله خيرا

  • فلسطين سامح

    جزاك الله خيراً وأسال الله أن ينفع بعلمكم الإسلام والمسلمين وأن يجعله في ميزان حسناتكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً