الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوازن بين احترام الذات والتعامل مع الآخرين

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعشق الوحدة والانفراد واستمتع كثيرًا بهذا، وهو جُزء من شخصيتي لا أستحي منه، فأُنفق وقتي في قراءة الكتب الهادفة، والاستماع إلى الأشرطة ومشاهدة المرئيات، ولكن ظروف الحياة تحكُم بضرورة الاندماج في المجتمع، وهذا الأمر صعب ومُعقد جدًا بالنسبة لي، ويتطلب بذل مجهود كبير جدًا، فأنا أحب أن أكون شُجاعًا، فلابُد من تنبيه المُخطئ على الخطأ إذا ارتكبه، وأقف مع المظلومين وأقول كلمةَ الحق، ولابد من استخدام أساليب مُعينة لتظهر شخصيتى قوية ومؤثرة في الآخرين، وهُنا مشكلتي القديمة، وهي أنني حينما أمر بموقفٍ ما أفكر فيه، فإذا انتهى وذهبت إلى نشاطاتي المُعتادة، لا يزال رأسي يُفكر فيه ويُحلل متسائلًا: ما الذي حدث؟ وما معناه؟ وماذا كان يقصِد فُلان من كلمته تلك؟ ولماذا فعل هذا وكيف؟ وما الذي يُبطنُه هذا الشخص بداخله؟

وهذه العلة المرضية قديمة وتؤذيني بشدة، لا يُمكنني أن أستمتع بحياتي بسببها، وأحيانًا تصل بي إلى الشُعور بالإحراج والخجل، بل والاكتئاب.

لا أعتقد أن هذه حساسية، ولا انعدام ثقةٍ بالنفس، ولا انخفاضاً في تَقدير الذات، ولكنني أخشى من أن يُساء فهمي، لأن هذا دائمًا ما يحدُث بالضبط، بل لا أُبالغ إذا قُلت لكُم بأنني أخاف من أن يُساء فهم هذه الرسالة، فالسواد الأعظم من الناس مُتسرعون في إطلاق الأحكام على بعضهم البعض، بلا تأنٍ أو تثبتٍ وتروٍ، بل بالجهل والظُلم، فماذا أفعل؟ ألا من مُرشد؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - ابننا الفاضل - في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، ونسأل الله تبارك وتعالى لنا ولك التوفيق والسداد والثبات والهداية.

سعدنا جدًّا بحرصك على القراءة، وبحرصك على تطوير مهاراتك الثقافية، وأسعدنا جدًّا أيضًا رغبتك في تنبيه المُخطئ وفي الوقوف مع المظلومين، وفي قول كلمة الحق، كلُّ هذه من الفضائل العُليا التي جاء بها هذا الدّين العظيم، ولكن من المهم والإنسان يفعل هذا أن يكون وُفق قواعد هذا الدين، فالذي يأمر بالمعروف ينبغي أن يكون أمره معروف، ليس فيه مخالفة، وليس فيه ما يُغضب الله تبارك وتعالى.

وأسعدنا جدًّا حرصك على هذه الأمور الأساسية، ونحب أن نؤكد لك أن رسالتك فُهمتْ فهمًا صحيحًا، وضُعتْ في أحسن المواقع، ووقعت في نفوسنا كذلك في أرفع المنازل، ونحن سعداء بمثل هذه الروح، غير أننا نريدُ أن نُخبرك أن الذي يسير في هذا الطريق – الذي هو طريق الأنبياء – والاستفادة من الأوقات، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ونُصرة المظلومين، وقول كلمة الحق، لابد أن تواجهه بعض الصعوبات، قال الله تعالى: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر}، ثم قال بعدها: {واصبر على ما أصابك}، لأن هذه معالم هذا الطريق.

والذي نريد أن ننبّه له ونحب ألَّا يكون عثرة في طريقك هو أنك لابد أن تتوقع صعوبات، إذا كنت تريد السير في هذا الطريق، ولكن نوصيك بالآتي:

أولاً: كثرة الدعاء لنفسك ولمن تدعوهم وتنصح لهم.

ثانيًا: من المهم جدًّا أن تجعل همَّك رضا رب الناس وليس الناس، لأن رضا الناس غاية لا تُدرك، والإنسان العاقل ينبغي أن يجعل همّه أن يُرضي الله تبارك وتعالى.

ثالثًا: ينبغي أن تحمل كلام الناس على أحسن المحامل، كما تريد أن يُحمل كلامك والمواقف التي عندك في أحسن محاملها، فإننا لم نُؤمر أن ننقِّب عن قلوب الناس، كما قال رسول الله سيد الناس، وهو المُؤيد بوحي الله تبارك وتعالى، فعلينا أن نقبل من الناس ظاهرهم ونَكِلُ سرائرهم إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن الإنسان إذا حاول أن يُنبِّش ويُفتِّش وماذا يقصدُ هذا وماذا كانت نيَّةُ هذا؛ فإنه يُتعب نفسه ويُتعب غيره، فالإنسان ينبغي أن يفعل الخير ويقول الخير ويتكلم بالصدق ويصدّق مَن تكلّم، يحمل الناس على أحسن المحامل حتى يثبت له يقينًا كثبوت الشمس في ضُحاها وكوضوح القمر إذا تلاها، أنه يفعل شيئًا ليس طيبًا، عند ذلك هذا المُسيء ما ينبغي أن يلوم إلَّا نفسه، لأنه يُجاهر بالمعصية، ولأنه وضع نفسه في المكان الخطأ.

عليه: أرجو أن تستمر فيما أنت عليه، وأن تُدرك أن وجود الإنسان مع جماعة له ثمن، ومع ذلك فإن الشريعة تقول: (المؤمن الذي يُخالط الناس ويصبر خيرٌ من المؤمن الذي لا يُخالط ولا يصبر)، فنسأل الله أن ينفع بك بما تقرأ، وينفع بخلطتك مع الناس، ويُعينك على الصبر على السير في هذا الطريق، ونكرر الترحيب بك في الموقع، وشكرًا لك على هذه الاستشارة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات