الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نويت دراسة العلم الشرعي فهل يجب علي نشر العلم والعمل به؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا ولله الحمد أواصل طريقي في حفظ القرآن الكريم، ولدي نية في طلب العلم الشرعي، ولكن استفساري بخصوص نشر العلم والعمل به، ما المقصود بالعمل والعلم هنا؟ فهل يلزم لطالب العلم أن ينشر للناس ما تعلمه، أم يكفي بأن يطبق ما تعلمه على نفسه وحياته بنية أن يعبد الله على بصيرة ويتبع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟

أنا في الحقيقة متردد قليلا؛ لأني لا أريد أن يكون طلب العلم علي حجة، ولا أريد أن أكون ممن تسعر بهم النار يوم القيامة (في حديث أول ثلاثة تسعر بهم النار) أم هذا كله من وساوس الشيطان ليصدني عن طلب العلم، أسأل الله أن ينجينا وإياكم من النار.

أفيدوني أفادكم الله، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونحن سعداء جدًّا بهذا السؤال الرائع منك ابننا الفاضل، ونسأل الله أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح، فالعلم يهتفُ في العمل، فإن أجابه وإلَّا ارتحل، واعلم أن العلم نور، وهذا النور يستفيد منه أولاً صاحبُه، بأن يلتزم ويتمثل هذا العلم، فإذا تمثّل الإنسان علمه وطبّقه فإنه يمكن أن يكون دعاية لهذا العلم، وداعيةً لهذا العلم بالتزامه، ثم بعد ذلك يُضيف إلى هذا المعنى الكبير الآخر، وهو أن يُبلِّغ هذا العلم ليفوز بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنضارة، (نضّر الله امرئًا سمع مقالتي فوعاها وأدَّاها كما سمعها).

ولذلك أرجو أن تقصد الجانبين: الجانب الأول أن تنتفع من العلم في نفسك، لأن هذه ثمرة العلم، ثمرة العلم الخشية لله، والتعظيم لله، والإنابة لله تبارك وتعالى، ثم بعد ذلك ينقل الإنسان هذا الخير الذي عنده للآخرين.

أمَّا ما يأتيك من تخويف وتخذيل فهو بلا شك من عدوِّنا الشيطان، لأن العلم هو أوَّلُ مطلوب {فاعلم أنه لا إله إلَّا الله}، وطلب العلم أفضل من كلِّ نافلة، ولا يمكن للإنسان أن يُقيم صلاةً أو حجًّا أو زكاةً أو دينًا إلَّا إذا تعلَّم العلم الشرعي، يُقيمها على الوجه الصحيح، ثم بعد ذلك هذه الزيادة في العلم وهذه الرغبة في الخير هي أوسع ميادين الخير، لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا.

فامضِ بما نويت، وتعوّذ بالله من شيطانٍ لا يريد لك الخير، واجتهد في تحرِّي الإخلاص، فإن الذين تُسعَّرُ بهم جنَّهم لأنهم لم يعملوا لله، ولم يتعلَّموا لله، ولم يُنفقوا لله، بل لم يُقدّم أحدهم نفسه لله، إنما كلُّ ذلك كان طلبًا للرياء والسُّمعة، وحتى هذا الباب فإن العلم هو الذي يُعينك على فهم هذه الأمور، واعلم أن الفقيه الواحد أشدُّ على الشيطان من ألف عابد.

إذن لا تتردَّد في المُضي في هذا الطريق، طريق العلم الشرعي، استكمل حفظك لكتاب الله، وفهم هذا الكتاب، دُر مع كتاب الله حيث دار، اجتهد في تطبيق ما تعلّمتَ، ثم نشر هذا الذي عندك من الخير، واعلم أن الإنسان حتى لو كان فيه نقص فإنه ينبغي أن ينشر، لأن بعض الناس يتصور ويقول: "أنا لا أريد أن أعلّم الناس ولا أستطيع حتى أكون كاملاً من كافة الجوانب، حتى لا يكون عندي أي نقص"، والحسن البصري لمَّا قيل له هذا قال: (تمنَّى الشيطان لو ظفرَ بمثل هذا، ولو لم يعظ في الناس مَن هو مُذنبٌ فمن يعظ العاصين بعد مُحمَّدٍ)، الكمال بلا شك أن تُصدّق الأفعال الأقوال، حتى لا نقع تحت قول الله: {كَبُرَ مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}، لكن تقصير الإنسان في بعض الفضائل وبعض الأعمال لا يعني أنه لا يدعو إليها، وإلَّا فيكون جمع بين جريمتين: جريمة الترك وجريمة عدم الحض للآخرين وتشجيع الآخرين.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً