الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الوسواس الشديد في الصلاة وغيرها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اسمي مصطفى وبعمر 18 سنة، منذ بداية التزامي في عمر 17 كنت قد أصبت بوسواس في العقيدة، إلا أنه بفضل الله قد شفيت من بعضه لكنه ما زال لدي.

الآن مع الوسواس في العقيدة زاد عندي وسواس آخر، وهو وسواس النية وسواس الوضوء، والمشكلة أن هذا الوسواس كان السبب في ترك بعض الصلوات ربما تهاونا أو مشقة، وسبباً في الإسراف من الماء.

المهم سأشرح لكم حالتي مفصلة، وأريد منكم أن تحيلوني إلى الخطوات التي يجب علي اتباعها، فعند الأذان أذهب لأتوضأ ومن ثم أنوي بهذا الوضوء الصلاة، لكن أثناء الوضوء كأنه أقول في نفسي حتى إن كان باطلاً لا مشكلة، أو أنت تلعب لا تتوضأ، أو أنت ترددت في النية وفي الصلاة.

أثناء التكبير أحس كأني ترددت في النية، أو كأني ألعب، وأقول في نفسي سأقطع لا لن أقطع، والمشكلة العويصة أنه في الصلاة يكون أشد، فعندما أبدأ الصلاة تأتي في بالي وساوس شركية شديدة، وساوس قطع النية، أو أنك لا تصلي لله والعياذ بالله، وخصوصاً وأنه كلما ذكرت الله أتى في بالي خيال، والعياذ بالله، وأنا لا أعتقد هذه الخيالات، لكنني لا أريدها، لأنه يوسوس لي الشيطان بأني أصلي لهذا الخيال، والعياذ بالله.

المشكلة أني أسترسل معه، مما يؤدي إلى فعل حركات لا إرادية أثناء الصلاة، مثلاً يأتي في بالي أني قد غيرت النية، وأثناء دخول الفكرة أردها في نفسي، وأقول لا لم أغير النية، بل ما زلت على نيتي، لكن هذا سبب لي عدم الخشوع في الصلاة، وأن همي الوحيد هو إكمال الصلاة.

في الحقيقة أستطيع أن أتجاهل هذه الوساوس لكن أشعر بأن ما أفعله باطل!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.

أولاً: أقول لك هوّن عليك، وساوس العقيدة كثيرة، وقد أصابت أفضل القرون، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتتهم هذه الوساوس، وقد علّمهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتجاهلوها بأن يقول الإنسان (آمنت بالله) ثم ينتهِ، بمعنى أنه لا يعريها أي اهتمام ولا يتفاعل معها.

من الواضح - أيها الفاضل الكريم - أنك قد أكثرت من تحليل هذه الوساوس، وأنت لا تُلام على ذلك أبدًا، الوساوس من طبيعتها أيضًا تُثير الفضول عند الإنسان، وتتكون عند الإنسان دفاعات نفسية مختلفة تزيد من فضوله وتجعله يسترسل ويُحلل الوساوس، ويحاول أن يخضعها للمنطق.

المبدأ العلاجي الأساسي هو التجاهل والتجاهل التام، وتحقير الوسواس، وعدم الخوض فيه، وصرف الانتباه عنه، ومهما كان الوسواس مُلحًّا ومستحوذًا يجب أن يُقاوم، ويجب أن يتم تجاهله. وهنالك تمارين سلوكية بسيطة جدًّا:

مثلاً بالنسبة للوضوء - أيها الفاضل الكريم -: أريدك أن تُدرك وأن تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بكمية قليلة من الماء، حُسبت بمعايير هذا الزمان ووجد أنها تقريبًا حوالي لتر إلَّا ربع.

أنا أنصحك ألَّا تتوضأ من ماء الصنبور، لا تتوضأ من الحنفية، حدِّد كمية من الماء، ضعها في إبريق، تكون في حدود لتر وليس أكثر من ذلك، وبعد ذلك ابدأ الوضوء، عليك بالنية أوَّلاً، ثم اغسل يديك، وقل لنفسك: (قمتُ بغسل يديَّ)، ثم انتقل للمضمضة والاستنشاق والاستنثار، وهكذا ... وفي كل مرَّةٍ تؤكد لنفسك أنك قد قمت بالفعل، مع الحرص على مراعاة كمية الماء، يجب أن تكون حريصًا جدًّا على ذلك.

بعض الإخوة أنا أنصحهم أيضًا بأن يقوموا بتصوير أنفسهم عن طريق كاميرا التليفون مثلاً، وبعد ذلك بعد انتهاء الوضوء تُشاهد الفيديو الذي قمت بتسجيله، وستجد أن وضوءك صحيح تمامًا.

هذا أحد التمارين التي وجدتها جيدة جدًّا، ويمكنك أن تُطبقها.

في الصلاة أيضًا: دائمًا ابن على اليقين، كبّرتَ للإحرام، ودخلت في الصلاة، وبعد ذلك جاهد نفسك على ألَّا تدخل عليك هذه الأفكار الشيطانية - كما تفضلت - واحرص على الصلاة مع الجماعة، هذه أسس علاجية ممتازة جدًّا.

أريدك وأنت خارج الصلاة أن تحقّر هذه الأفكار، أن تقول لنفسك (هذه فكرة حقيرة، هذه وساوس أنا لن أتبعها، أنا صلاتي صحيحة، أنا الحمد لله توضأت الوضوء الصحيح ...) وهكذا.

إذًا هذا هو المطلوب منك، وأيضًا أنت حقيقة محتاج لتناول دواء، هذا النوع من الوساوس يستجيب للعلاجات الدوائية بصورة ممتازة جدًّا، وبما أنك تبلغ سِنّ الثامنة عشر فلا توجد أي مخاطر من تناول الدواء. إذا استطعت أن تذهب إلى طبيب نفسي هذا سوف يكون أمرًا جيدًا، وإذا لم تستطع أن تذهب إلى الطبيب فتحدث مع والديك لتستأذنهم في أنك تحتاج لتناول أحد الأدوية المضادة للوساوس، والدواء يمكن أن يكتبه لك أي طبيب، حتى طبيب الرعاية الصحية الأولية.

من أفضل الأدوية التي ننصح بها في مثل حالتك عقار يُسمَّى (فافرين)، هذا اسمه التجاري، واسمه العلمي (فلوفوكسامين)، والجرعة هي أن تبدأ بخمسين مليجرامًا ليلاً بعد الأكل، لمدة عشرة أيام، ثم تجعل الجرعة مائة مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تجعلها مائتين مليجرام ليلاً كجرعة واحدة، أو يمكنك أن تتناول مائة مليجرام في الصباح ومائة مليجرام ليلاً، وتستمر على هذه الجرعة العلاجية لمدة ثلاثة اشهر، ثم تخفض الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وهذه هي المدة الوقائية، ثم بعد ذلك تتوقف عن الدواء من خلال تخفيض الجرعة إلى خمسين مليجرامًا لمدة شهرٍ، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

الفافرين - كما ذكرتُ لك - دواء سليم جدًّا، ويُناسب عمرك، وهو فاعل جدًّا في علاج الوساوس. وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن هو الأفضل كما ذكرتُ لك، وقطعًا تناول الدواء وتطبيق الإرشادات السابقة، وأن يكون لك العزيمة والإصرار على قهر هذه الوساوس والتخلص منها سوف تنجح كثيرًا في ذلك، وإن شاء الله تعالى تعيش حياة طيبة هادئة دون أي وسوسة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً