الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ندمت على دخولي تخصص العلاج الطبيعي وعدم دخول الطب!!

السؤال

أنا فتاة في الثانية والعشرين من عمري، وطول حياتي الدراسية عرفت بالتفوق كنت دائماً من أوائل الطلبة، وفي الثانوية العامة تخرجت بنسبة عالية جداً، أعطتني فرصة للدخول إلى أي مجال أريده، ولكن المشكلة لم يكن لدي شغف أو ميول إلى أي تخصص. أبي كان يريدني أن أدخل الطب، وأمي كانت تريدني أن أدخل الهندسة.

لقد فكرت في الهندسة، ولكني تراجعت خوفاً من صعوبته وغالبه رجال فيه، ثم فكرت بالطب، ولكني تراجعت عندما قال لي الناس بأن سنينه طويلة، وسوف تدرسين طوال حياتك، وبعدها فكرت بالصيدلة، ولكني تراجعت أيضا لكرهي للكيمياء.

ثم قرأت عن تخصص اسمه العلاج الطبيعي، وأعجبني أنه جديد، وسنوات دراسته قصيرة، ولا يوجد فيه تعامل مع الدم، قررت بأن أدخل هذا التخصص، ولكن أبي وأمي حذراني وقالا لي: إنه ليس مناسباً لي، ولكني عاندت ودخلته.

في أول سنة كنت متحمسة له، وأعجبني جداً ولكن مع مرور السنوات كرهته وندمت بأني دخلت لعدة أسباب مع عدم وجود فرص عمل، وإذا كان هناك عمل فإن الرواتب ضعيفة ولا تقارن بالمجهود المقدم.

أيضاً عدم احترام الطاقم الطبي لهذا التخصص والتعامل مع العاملين به باحتقار ودنيوية، أو يتم تجاهلنا من الأطباء، ولا ننسى نظرة المجتمع له.

ندمت وأرجو لو أني سمعت كلام أبي أو أمي ودخلت الطب أو الهندسة، وبالأخص الطب أعتقد كنت سوف أبدع به، ولكن الآن لا يوجد وقت لندم.

لقد حاولت بأن أقوم بتغيير تخصصي أكثر من مرة وكل المحاولات باءت بالفشل؛ فدخلت بحالة من الاكتئاب الشديد، وأحتقر نفسي وتخصصي جدا، أشعر بأني أضعت كل تعب هذه السنين على هذا التخصص.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Alaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا

دعينا نتحدث عن مشكلتك من زاويتين:
الأولى: زاوية التخصص.
والثانية: زاوية الرغبة النفسية.

تخصص العلاج الطبيعي Physical Therapy، وهو أحد فروع التخصصات الطبية المهمة التي تتعلق بالتعامل مع المرضى من ناحية التقييم والتقويم، علاجاً ووقاية، وهو لا يقل أهمية عن التخصصات الأخرى، وبحسب فهمي، فإن العلاج الطبيعي له تخصصات متعددة، ولكن هناك فرعان أساسيان:

فرع تقويم العظام بالتدخل الجراحي Orthopedic وفرع التعامل الفيزيائي مع كامل الجسم بدون تدخل جراحي Osteopathic
وبحسب موقع healthcare فإن Osteopathist مرخص في الولايات المتحدة كطبيب physician ، شأنه كشأن تقويم العظام، بينما قد لا يرخص كطبيب في معظم دول العالم، ولكنه يرخص ضمن المهن الصحية.

أما فيما يتعلق برغبتك النفسية التي دفعتك لدراسة تخصص العلاج الطبيعي غير الجراحي، رغم إمكانية دخول فروع طبية أصعب؛ فنحب أن نوضح لك بعض النقاط الهامة كما يلي:

- لا يوجد فرع طبي أهم من فرع آخر، وإنما يوجد فرع طبي أصعب من فرع آخر وأكثر تعقيداً، والصعوبة لا تدل على الأهمية-بالضرورة- فجراح القلب لا يستغني عن خدمة التمريض داخل غرفة العمليات، ولا يستغني عن خدمة التخدير.. إلى آخره.

لو تخيلنا (أحقر مهنة) في نظر الناس -وهي ليست حقيرة- وهي مهنة جمع القمامات من الشوارع، هذه المهنة التي يحتقرها الناس ويزهدون في العاملين فيها هي من الضروريات التي تحفظ عليهم صحتهم وحياتهم، ولو تخيلنا بقاء الناس أيامًا معدودة بدون عمال البلدية، كيف سيكون حالهم! وكيف ستتكدس القمامات، وتنتشر الأمراض وتفتك بهم.

العبرة في ذلك هو أننا لا نزهد في أي مهنة يمكن أن نقدم من خلالها الخير والنفع للمجتمع، فمهنة العلاج الطبيعي ليست مهنة محتقرة، وإنما هي مهنة عظيمة، لا يستغني عنها الناس.

- وجود أشخاص في الكادر الطبي يحتقر مهنة العلاج الطبيعي، هو أمر طبيعي أيضاً؛ فالأطباء بشر في نهاية المطاف، وغير معصومين عن أخطاء التعامل واللياقة المطلوبة، ولكن هذا الأمر لا يمكن تعميمه على كل الكادر الطبي بالتأكيد، فهناك أطباء يحترمون مهنة العلاج الطبيعي ويقدرونها، بل ربما غالبية الأطباء هم على هذا النهج، والقليل منهم من يقع في هذا الخطأ.

- يبدو أنك تحتاجين للقراءة والاطلاع على مفهوم السيطرة على النفس أو ما يسمى بوجهة الضبط Locus of control حيث من الواضح أنك تضعين كلام الناس حول مهنتك كأولوية في حياتك، وبالتالي فهذا يضغط عليك نفسيا، وهذا نوع من التحكم الخارجي، بمعنى أنك تستقين مصدر توجيهك وضبطك من الخارج وليس من داخل نفسك؛ بينما من يستقي توجيهاته وقراراته من قناعاته الذاتية، وإيمانه بأهدافه وقيمه فهذا لا يكترث كثيرا لكلام الناس حوله، مدحوه أم ذموه.

ينبغي أن يكون شأن المؤمن كذلك، يرسم أهدافه بناء على القيمة التي آمن بها، وهي إرضاء الله -عز وجل- بنفع الناس والتخفيف من آلامهم، وهذا الهدف يتوافق مع ميولك النفسية، ورغبتك الأكاديمية، وبالتالي لا داعي للاستسلام لسهام الناس القادمة من خارج ذاتك.

- لا داعي للشعور بالإحباط والفشل! هل تظنين بأن كل طبيب هو -بالضرورة- ناجح في حياته؟! الواقع أن البعض قد ينجح بينما يفشل البعض الآخر، كما أن الطبيب قد يكون صحيحا بدنيا، لكنه معتل نفسيا، بعبارة أخرى: مهنة الطب ليست جواز عبور إلى السعادة-بالضرورة-

قد تتساءلين: وهل يمكن أن أصبح ناجحة مهنيا وسعيدة في حياتي كمعالجة طبيعية؟
والجواب يعتمد على أمرين:

الأول: إيمانك بقضيتك، وحبك لمهنتك.
الثاني: تطوير مهاراتك وقدراتك في هذه المهنة، وسوف تصلين إلى التميز، وتتفوقين على كثير من الأطباء، وأنا شاهدت مؤخرا بعض مقاطع الفيديو لأحد المعالجين اللبنانيين، والذي يتابعه عشرات الآلاف على وسائل التواصل يتعجبون من مهارته في إعادة تأهيل الأعضاء وفقرات العمود الفقري، وسائر مفاصل الجسم إلى وضعها الطبيعي بمجرد لمسات سحرية بيديه دون أي تدخل جراحي لحالات ظلت تعاني الإعاقة لسنوات طويلة، عجز الطب التقليدي عن علاجها، وتمنيت أن أكون ماهرا مثل هذا الشخص أو أن أكون مكانه لأعالج الناس وأخفف من أوجاعهم، وأعيد رسم الابتسامة على شفاههم بعدما فقدوها لسنوات طويلة.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً