الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معظم الناس من حولي يستفزونني، ما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي -أيها الأستاذة الكرام- تواجهني منذ أيام الروضة إلى أن تخرجت من الجامعة، أنا -ولله الحمد- حافظ لكتاب الله، ومحافظ على صلواتي، ولله الحمد والمنة، ولكن ما أعانيه منذ الطفولة هو كثرة سخرية الناس من حولي، من تصرفاتي من طريقة كلامي أو مشيتي أو حتى من أمور تافهة لا ينظر إليها، حتى الأسوأ من ذلك أتعرض للتنمر بكثرة والمحاولة من تقليل قيمتي في المجالس والاجتماعات.

لو كان الأمر ساعة أو ساعتين لما كان مقلقاً ولكن المشكلة الأمر طول الوقت من زملائي في المدرسة ومن إخوتي ومن أقاربي، ومن جيراني، حتى لو غيرت مدرستي أو مدينتي يبقى الأمر هو نفسه.

لو صادقت رفقة أو زمالة جديدة، الأمر لا يتغير، أرجوكم انصحوني، فبسبب هذا أصبحت منغلقاً على نفسي وشخصيتي باتت ضعيفة، ولا أقدر حتى على الجدال أو الحوار، وضاعت مني الكلمات بسبب صمتي المفرط.

أرجوكم دلوني وأرشدوني، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ابتداء، نشكرك على تواصلك معنا، ونسأل الله أن يبارك في عمرك وأن يسعدك، وأن يعافيك من كل مكروه أصابك.

أخي هشام: قد ذكرت أن المشكلة التي تعاني منها قديمة، ومع قدمها لم تكن محصورة في بيئة واحدة، بل حتى حين تغيرت البيئة سواء العلمية أو البيئية لازمتك المشكلة، وحين انتقلت إلى مدينة أخرى أيضاً لازمتك المشكلة.

هذا يعنى -يا هشام- أن المشكلة نصفها الأساسي فيك أنت، والآخر هو نتاج طبيعي لها، ونحن هنا لأننا نريد لهذه المشكلة أن ننتهي سنتحدث معك بصراحة، فأنت ولدنا ويوجب علينا الدين التناصح معك.

هشام: أنت حافظ لكتاب الله، ومحافظ على صلاتك، وهاتان الصفتان ينبغي أن تقودناك إلى القيادة، فمن جمع الله في صدره القرآن وكان من أهل الصلاة ينبغي أن يكون قدوة يتبعه الناس! لكنك تجاهلت ما حباك الله به من ميزات ليست في بعض الناس وأصابتك عدوى ضعف الثقة في النفس.

أنت -يا هشام- كما أسلفنا من أبعد الناس عن ذلك بما حباك الله به من نعم، فأول ما يجب عليك القيام به هو علاج ذاتك بذاتك، ساعتها سيستقيم من حولك، فالناس متى ما رأوا من يستهين بنفسه وقدراته تنمروا عليه، واتخذوه مادة للسخرية.

لذلك نصف العلاج يعود لك أنت، وأولها كسب الثقة في نفسك، وهذا يمكنك تحقيقه سريعاً إذا ما اتبعت النصائح التالية:

1- عظّم ما أنجزته في حياتك: من الضروري والمفيد أن تعدد إنجازاتك، وأن يكون أولها ما تفضلت به من حفظ كتاب الله عز وجل، والاستقامة، ولك بالطبع إنجازات أخرى نحتاج أول شيء أن تعظمها بداخلك، وأن تكتبها على أوراق لترحل إليها كلما أردت.

2- حدد أهدافاً لك صغيرة ومتوسطة وطويلة، المهم أن تكون أهدافاً واقعية وغير مثالية، وأن تبدأ منها لتأخذ جزءاً من وقتك وتشعر بالارتقاء وأنت تحقق كل يوم ما تريد.

3- اقرأ كتبا حول الثقة والاعتزاز بالنفس واقرأها كثيرا.

4- اجتهد في أن تتخذ أصدقاء صالحين، ولكن من المسجد، أو من حفظة القرآن، المهم أن يكون عندهم وازع ديني، فالعبرة ليست بعدد الأصدقاء، ولكن بنوعيتهم، فالصديق الصالح لن يجعلك هدفا لسخريته ولن يمارس عليك طقوس الاستهزاء والاحتقار، فجالس الصالحين من العلماء والمشايخ وفي حلقات الذكر، وستجد الفرق الكبير.

5- نريدك أن تنقطع هذه الفترة عن بعض أصحابك المتنمرين، وإذا لم تستطع فعلى الأقل ألا تلتقي بهم جميعاً في وقت واحد.

6- اهتم بصحتك العامة جيداً، ومارس نوعاً من الرياضة باستمرار ولا تتوقف عنها.

7- تحدث مع نفسك عن نفسك بإيجابية، ومع أصحابك كن معتدلاً في الحديث عن ذاتك لا يحفزهم إلى الرد عليك أو التقليل من شأنك.

8- امدح من تجالسهم بما فيهم من خير، فهذا يقوى روابط الصلة والإخاء معهم.

9-اجعل فضل أوقاتك في هذه الفترة تحديداً لأصحابك، واستثمر الأوقات الأخرى في بناء ذاتك فكرياً، فإن المرء بعقله، وكلما كان الإنسان متمكناً علمياً كلما فرض احترامه على الآخرين.

10- المكان الذي لا تستشعر فيه بانتقاص منك متعمد لا تذهب إليه كثيراً، ولا تجادل أهل اللدد والخصومة، ولا تصنع عدوك بيديك.
11- اشدد عضدك بإخوتك وأهلك وأرحامك، فصلتهم فيها أجر، وفيها كذلك اكتساب لذاتك، وابتعاد عن العزلة، واجتهد في التعرف على من هم أكبر منك سناً من أهل الدين والصلاح، فستجد التحفيز والاحتواء عندهم أكثر.

12- اجتهد أن تكون لك مشاركة مجتمعية أو تساعد في عمل اجتماعي، أو تنتسب إلى جمعية تعنى بمساعدة الناس والمساكين، فإن هذا يدعم ما تريده في هه المرحلة.

13- أنت حافظ لكتاب الله، وتستطيع أن تحفظ غيرك ولو من أهلك أو جيرانك في البداية فهذا عمل خير ويساعدك في تحفيزاتك.

أخيراً: لا تكترث بالرد على من حاول التقليل من شأنك، ولا تعبأ بهم، بل ابتسامة صغيرة وتغيير مجرى الحديث أو تغيير المكان إن لزم الأمر هو المناسب.

اطمئن يا هشام، لن يبقى هذا الحال طويلاً، فقط اجتهد في تطبيق ما طلبناه منك، وسترى نتائج مرضية، ونرجو أن تراسلنا بعد فترة حتى نطمئن عليك، وثقتنا بعد الله فيك كاملة، والله يوفقك لما فيه الخير والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً