الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكنني التحقق من المعلومات؟

السؤال

السلام عليكم.

كيف أتحقق من صحة معلومة ما سواء كانت على الإنترنت، أو في الكتب، أو من صديق؟ أعلم أن سؤالي عام جدا، ولكن أنا بدأت أشك في كل شيء حولي، وأريد أن أتحقق من المعلومات التي تغمرني، سواء من فيديوهات، أو أفكار بعض الأصدقاء، إلخ، أتمنى أن تكون الإجابة تفصيلية.

عندما يقول شخص: التوازن مهم، ومن ثم يأتي آخر ويقول: أن توازن بين كل شيء فهذه فكرة حالمة، كيف لي أن أحدد أيهما أصح؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم لتواصلكم معنا وثقتكم بموقعنا.

فعلاً سؤالك عام جدا، ومع ذلك سوف أجتهد في وسع بعض المحددات التي يمكن أن تستقي منها المعلومة بشكل عام:

١- هناك ما يسمى بالعلوم الحقيقية والعلوم الزائفة، فالعلم الحقيقي هو ما كان مبناه على الأدلة العلمية، ونعني بالأدلة العلمية هنا حسب طبيعة كل مجال، فالعلوم الطبيعية كالطب والكيمياء والأحياء ونحوها، هذه لا بد لها من أدلة تجريبية ثبتت صحتها في المعامل، وبعد أن تثبت صحتها يتم نشرها في مجلات علمية محكمة، وهذه المجلات العلمية لها مواقعها المشهورة، ولها معامل تأثير ونحو ذلك من الاعتبارات التي يعرفها المهتمون بتوثيق المعلومات العلمية.

أما مجال العلوم الإنسانية كعلم النفس، وعلم الاجتماع، والشعر والأدب، والتاريخ، فلا يتطلب لها ما يتطلب للعلوم التجريبية، ويمكنك التأكد من صحة المعلومات حولها من خلال المختصين، أو المواقع المعتمدة، أما العلوم الدينية بكافة أنواعها، وعلوم الفقه الإسلامي وعلوم الشريعة بفروعها المختلفة، هذه كلها قائمة على مبدأ الإيمان بالوحي، الذي هو تعاليم وأحكام منزلة من السماء للبشر بواسطة الرسل، والعقل تابع لها، فلا تعارض بين النقل والعقل، كما قرر ذلك كثير من العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وله كتاب عظيم ذلك اسمه (درء تعارض النقل والعقل).

الهدف من هذا الاستعراض بيان أمرين مهمين يتعلقان بمعرفة العلوم الصحيحة من الزائفة؛ الأمر الأول: العلوم التجريبية فهذه برهانها التجربة الحسية.

الثاني: العلوم النظرية فهذه برهانها أدلة النقل ثم العقل.

٢- لا بد من الاعتماد على المصادر الموثوقة والمراجع المعروفة، سواء أكان ذلك في العلوم التجريبية أو في العلوم النظرية، وحديثا صارت هناك مواقع معروفة للمجلات العلمية المحكمة التي تصدرها الجامعات ومراكز البحوث المختلفة، وينصح بالمجلات العلمية التي لها معامل تأثير مرتفع، وملاحظة كثرة عدد الاقتباسات والاستشهادات التي تم أخذها من محتوى هذا المقال أو ذاك.

٣- تتميز العلوم الإسلامية بمنهجية علمية خاصة تتفوق على غيرها من العلوم الإنسانية والنظرية الأخرى؛ فعلى سبيل المثال قواعد الجرح والتعديل وتوثيق رجال السند في الحديث تعتبر من أقوى المعايير في النقل النصي التاريخي الذي لا يضاهيه أي منهج علمي آخر، وهناك مواقع مخصصة لمعرفة الأحاديث الصحيحة والضعيفة، منها موقع إسلام ويب الذي تميز بتشجيرات خاصة لرجال السند تخدم الباحثين والمهتمين.

٤- من مصادر التوثق ومعرفة صحة الكلام العلمي سؤال أهل الاختصاص، فلو كنت تسأل عن مسألة طبية فسوف تتحرى طبيبا ذا سمعة جيدة لتسأله أو تستشيره في تلك المسألة الطبية، وبالمثل لو كان لديك مسألة دينية سوف تتحرى عمن تثق بعلمه ودينه لتسأله عن تلك المسألة تنفيذا لقول الله تعالى: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنبياء ٧].

أخيرا: تساؤلك حول التوازن.. وهل هي فكرة حالمة أن يوازن المرء بين كل شيء.
والجواب: نعم، التوازن مطلوب في كل شيء، بل إن خلق السموات والأرض وخلق الإنسان إنما مبناه على التوازن والدقة في كل شيء، يقول الله عز وجل:

﴿وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ یَسۡجُدَانِ ۝٦ وَٱلسَّمَاۤءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِیزَانَ ۝٧ أَلَّا تَطۡغَوۡا۟ فِی ٱلۡمِیزَانِ ۝٨ وَأَقِیمُوا۟ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُوا۟ ٱلۡمِیزَانَ ۝٩﴾ [الرحمن ٦-٩].

كما أننا مأمورن باتباع العدل في موازنة الأمور وهو القسط الوارد في الآية الكريمة: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ﴾ [الحديد ٢٥].

كما روى الإمام الترمذي عن أبي جحيفة قال: آخَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينَ سَلمانَ وأبي الدَّرداءِ، فزارَ سَلمانُ أبا الدَّرداءِ، فرأى أُمَّ الدَّرداءِ مُتَبَذِّلَةً، فقال: ما شأنُكِ مُتَبَذِّلَةً؟! قالتْ: إنَّ أخاكَ أبا الدَّرداءِ ليس له حاجةٌ في الدُّنيا، قال: فلمَّا جاءَ أبو الدَّرداءِ، قرَّبَ إليه طعامًا، فقال: كُلْ، فإنِّي صائمٌ، قال: ما أنا بآكِلٍ حتَّى تأكُلْ، قال: فأكَلَ، فلمَّا كان اللَّيلُ، ذهَبَ أبو الدَّرداءِ ليقومَ، فقال له سَلمانُ: نَمْ؛ فنامَ، ثمَّ ذهَبَ يقومُ، فقال له: نَمْ؛ فنامَ، فلمَّا كان عِندَ الصُّبحِ، قال له سَلمانُ: قُمِ الآنَ، فقامَا فصلَّيَا، فقال: إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأَتَيَا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فذكَرَا ذلكَ، فقال له: صَدَقَ سَلمانُ).

وهكذا نرى أن التوازن قانون إلهي موجود في الطبيعة، وقانون إلهي دعي إليه الإنسان ليمتثله ويعمل به كي يعيش حياة سعيدة وحياة متوافقة مع بقية المخلوقات في السموات والأرض.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً