الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ارتكبت الكثير من المعاصي فكيف الرجوع إلى ربي؟

السؤال

السلام عليكم.

لا أعرف من أين أبدأ، أنا شاب، بالرغم من كوني في سن 18 إلا أني ارتكبت العديد من المعاصي في صغري (لا يمكنني إخبارك بها)، ووجدت أن مصيرها جهنم وبئس المصير، ولا أعرف الآن هل أحاسب على خطاياي في الدنيا قبل الآخرة أم ماذا؟ فقد كثرت همومي، وأصبت بالاكتئاب، وفكرت حتى في الانتحار، فأنا في الدنيا أعيش في حالة اكتئاب وتوحد، وفي الآخرة مصير معروف.

لا أعرف حتى لماذا أخبرك؟ فقط أردت أن أقول لشخص عما في قلبي، لا أعرف ماذا أفعل؟ وشكرا على استماعك لي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا.

نحن نقدر ما تشعر به من معاناة؛ لذلك ندعوك لقراءة هذه الأسطر حتى النهاية:
أولا: تكلم العلماء والفقهاء حول الذنوب التي يرتكبها الإنسان في صغره قبل البلوغ، وذكروا أن الشخص في هذه الحالة لا تكتب عليه السيئات، وإنما تكتب له الحسنات فقط، لأنه لا يزال صغيرا غير مكلف، فما عمله من معاصٍ بينه وبين ربه فلا يحسب عليها، لكن لو كانت هناك حقوق للآخرين، كأن أخذ منهم ديونا وجحدها ولم يسددها، أو سرقها، فهنا ينبغي عليه أداؤها بعدما عرف حكمها، أو طلب المسامحة من أصحابها.

إذن فأول خطوة أن تعلم أن الذنوب التي عملتها قبل البلوغ ليس عليها مؤاخذة أو مساءلة عند الله تعالى.

ثانيا: ما عملته من ذنوب بعد البلوغ، فهي على نوعين أيضا:
- التي قبل البلوغ، تتعلق بحق الله تعالى، وتتعلق بحقوق المخلوقين: فحقوق المخلوقين كالأموال ينبغي ردها أو طلب السماح من أصحابها، أما حق الله تعالى، كالتقصير في أداء العبادات، أو عمل المعاصي والمحظورات بأنواعها المختلفة سواء كانت معاصي كبيرة أم صغيرة، فهذه تحتاج لتوبة -خاصة المعاصي الكبيرة- أما المعاصي الصغيرة فتكفرها الطاعات مثل الوضوء والصلاة، فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة-مرفوعا-:
"إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ".

أما بالنسبة لكبائر الذنوب فتحتاج إلى توبة خاصة، كالزنا واللواط، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ، والسحر..إلى آخره.

وشروط التوبة منها ثلاثة:
١- الإقلاع والابتعاد عنها.
٢-الندم على فعلها.
٣- العزم والتصميم على ألا يعود إليها مرة أخرى.

لكن ماذا لو عاد إليها مرة أخرى؟!

هل هذا يعني أن باب التوبة قد أغلق، وأنه ليس فرصة في التوبة إلا مرة أو مرتين؟!

الجواب: لا، بل إن باب التوبة مفتوح، وطالما تاب الشخص توبة صادقة بعد عمل ارتكاب الذنب فإن الله سيغفر له ذنبه، ولا ينبغي له أن يضمر نية العودة للذنب حينما يتوب، لأن هذا يخل بشرط من شروط التوبة، وهو العزم على عدم العودة للذنب مرة أخرى.

فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ فيما يحكي عن ربه -تبارك وتعالى، قال: أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله -تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أيْ رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أيْ رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، فليفعل ما شاء". متفق عليه.

ثالثا: قولك (فكرت بالانتحار والمصير معروف) فيه نوع من القنوط من رحمة الله تعالى، لذلك ينبغي ألا تقنط من رحمة الله، وسعة فضله وكرمه، تأمل هذه الآية الكريمة: ﴿۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ﴾ [الزمر ٥٣] فالله عز وجل يغفر للمسرف وهو الذي عمل المعاصي بكثرة، ولعلك قلت هذا القول لمعرفتك أن قاتل نفسه في النار، وكفى بهذا نصيحة وموعظة لك.

رابعا وأخيرا: إذا شعرت باستمرار حالة الاكتئاب (كما تصفه) فعليك بالذهاب إلى أخصائي نفسي لمساعدتك.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً