الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أطمئن على وضع أبي في البرزخ؟

السؤال

السلام عليكم.

توفي أبي بسرطان في المخ بعد صراع لمدة عام ونصف، فكيف أطمئن عليه في حياة البرزخ، وأنه لا يتعذب؟ وكيف أصبر قلبي على رحيله؟ خاصة وأنه كان يشكل حياتي كلها، وكان أعز ما فيها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Yasmina7 حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك (إسلام ويب)، وإنا نسأل الله الكريم أن يحفظك وأن يرحم والدك، وأن يتقبله في الصالحين، وأن يرزقك بره في الدنيا ومصاحبته في الجنة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أختنا الكريمة: قد مات أبوك -رحمه الله- بمرض السرطان، وقد ألحق بعض أهل العلم من مات بالسرطان في جملة الشهداء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ). وعن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ ؟ ) قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ. وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ. وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ. وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ. وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ ). قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة، تَفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه و سلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء.
وإنا لنرجو الله تعالى أن يكون ما حل به كفارة لذنوبه، وأن يكون الآن في مقعد صدق ونعيم، إنه جواد كريم.

وأما بخصوص السؤال الثاني: كيف أصبر على فقدان أبي؟
نقول لك: إننا نتفهم تماما المعاناة التي تشعرين بها، وندرك أن فقدان إنسان عزيز كالأب عند ابنته شديد، ولكن يصبرك قول الله تعالى (وما عند الله خير وأبقى) يصبرك الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، يصبرك أن أمر المؤمن كله له خير؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وأن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط. وما أعطي المؤمن عطاء أوسع ولا أفضل من الصبر فهو نصف الإيمان، وقد وعد الله الصابرين أجراً بغير حساب فقال سبحانه: ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ))[الزمر:10]، والصبر هو حبس النفس على ما تكره، وبالصبر ينال الإنسان السعادة ويبلغ ما يريد وأحسن من قال:
ألا بالصبر تبلغ ما تريد *** وبالتقوى يلين لك الحديد

وإننا ننصحك -أختنا- بعدة معينات عسى الله أن يصبرك بها:
1- كثرة القراءة في الرضا بالقضاء والقدر وفضل الإيمان به والتخلق عليه.
2- تلمس الأجر على الصبر، والإيمان بأنه أي الصبر نصف الإيمان.
3- تفقد أهل البلاء، وكثرة النظر إلى من هم أشد منك ابتلاء فهذا مما يخفف عنك المصاب.
4- تذكر مصاب أمة الإسلام بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم مصاب وأشده على قلب كل مسلم.
5- التماس الخيارات الأربع التي تهون كل مصاب وهي:
أولاً: أن المصائب لم تكن أكبر مما كانت، وقد سمعنا شابا يتحدث عن فقده لأبيه وأنه لا يستطيع أن يبره حتى بالترحم عليه لأنه مات كافرا، فانظري عظم مصابه وهو يعلم أن والده في جهنم، كيف يصبر نفسه إذا؟ فاحمدي الله على ما أنت فيه.
ثانياً: أنها لم تكن في الدين، فكل مصيبة لا تصيب دين الإنسان فهي هينة.
ثالثاً: أن الله يكتب لك أجرها، وإذا تذكر المؤمن لذة الثواب نسي ما يجد من آلام.
رابعاً: أن الله صبرك عليها.
هكذا كان السلف يشكرون الله حتى من خلال المصائب التي تنزل عليهم.

وختاما: يعينك -أختنا الكريمة- معرفة حقيقة الدنيا التي جبلت على الكدر والنقص، وعلى الابتلاء والهم، وأنه لا راحة لمؤمن حتى يلقى الله، فالدنيا سجن المؤمن، كما قال الأمام أحمد حين سئل متى الراحة؟ فقال: عند أول قدم يضعها الإنسان في الجنة، فمعرفة قصر مدة الإقامة في الدنيا، وتذكر أن الغمسة الواحدة في الجنة تنسي الإنسان كل آلامه تهون عليه المصاب.

ثم هناك أمر أخير: أنت غرس والدك، وصحيفة حسناته المفتوحة كما قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" فالله الله في الطاعة، والله الله في العبادة والذكر، ونرجو بهذا أن يرتقى الوالد وأن يسعد بطاعتك.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً