الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المشاكل التي تحصل بين الصديقات وتأثيرها على علاقتهن ونشاطهن في مجال العمل

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
أنا أعمل مع التيار الإسلامي في الجامعة، وقد تعرفت على فتاة من خلال العمل وأحبها كثيراً، ولكن لا ترتاح لها نفسي بسبب تصرفاتها الغريبة بالنسبة لي، فهي محبوبة من الأخوات الأخريات، وهي تحبني كثيراً، وهي من النوع الذي يركز اهتمامه بشخص ما لفترة وفجأة تتركه، ربما لتصرف خاطئ من الشخص الآخر، فهي دائماً تقول أنها لا تغضب من أحد، وتبدي ذلك مما يعطي أماناً لمن يتعامل معها، بجانب ذلك فهي تعطي له جرعة عاطفية كبيرة فتميل لها القلوب، ودائماً تضغط على من أمامها حتى يخرج لها كل ما بداخله بنية الأخوة وأنها تخفف عنه ما يعانيه.

وهي الآن مركزة معي من العام الماضي، وكل من في الكلية منتظر كيف ستكون النهاية، بالرغم من ذلك تظهر أن كل شيء حدث من الذي أمامها وليس منها، مما يثير غضب الذي أمامها ولكنه إذا تكلم لم يصدقه أحد، لأنها تترك رصيداً جيداً مع الذي يتعامل معها.

ففي رأيكم ما هو الأسلوب الأمثل حتى لا أخسرها، مع العلم أنها قد تخرجت العام الماضي، وأنا الآن مسؤولة عنها في العمل داخل الكلية، وأخوات الكلية كلهن يعلمن أنها تحبني، ولكني لا أبدي اهتماماً بهذا الحب، فأنا أفكر كثيراً في تصرفاتي وفي أفعالي، فطبيعتي تميل إلى العقلانية، ودائماً لا أنظر لمثل هذه الترهات، فكل واحد حر فيما يفعله طالما لا يخالف الشرع أو يضر أحداً، ولكنها الغيرة مني في الكلية، فهي قد لفتت الأنظار إليّ كثيراً في الكلية وفي الجامعة بكثرة الكلام عني بكل ما هو خير، فإذا وجهتها في خطئها قالت لي: إنني لم أخطئ في حقك، فأنا أحبك ولا أعرف ماذا أفعل حتى أخرج ما بداخلي من حب لك، وهي تقول ذلك بعد ضغط علي حتى أقول من قال لي ذلك، أو تحاول أن تشككني في ذلك القول، فإذا أصررت على ذلك قالت ما ذكرته عنها سابقاً من الناحية الأخرى، ثم تذهب تعاتب من قالت لي ذلك عتاباً شديداً، مما يسبب الغيرة مني في القلوب، وفي بعض الأحيان كرهي من هؤلاء الأشخاص دون أن أعرف السبب.

فقد أصبح حب أخوات الكلية لها مرض ينتقل من فرقة للتي تليها، وهذا يسبب لي مشكلة بصفتي مسؤولة عن أخوات التيار الإسلامي داخل الكلية ولي علاقة بأخوات الجامعة، وهي أيضاً كانت مسؤولة الكلية من قبلي، ومسؤولة عن أشياء من قبل مركزي التيار الإسلامي في الجامعة الآن، وبالتالي لا أستطيع أن أقطع صلتها بالكلية، خاصة أنها من جانب آخر قد ربطت نفسها بالكلية بحضورها دبلوماً في الكلية.

أرجوكم أغيثوني من ذلك الطوفان، وإذا سمحتم أعطوني وسائل عملية حكيمة حتى أكسب كلا الطرفين دون أية خسائر، فأنا أريد أن أعمل الكثير للإسلام من خلال الكلية، وأن أحافظ على الأمانة التي كلفني الله بها، ولكم جزيل الشكر، وجعل الله هذا في ميزان القائمين على هذا العمل الجليل، فمن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن يلهمك الصبر والرشاد.

فإن وجود الإنسان في جماعة له ثمن وضريبة، والإنسان مدنيٌّ بطبعة لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الناس، والمؤمنة التي تخالط أخواتها وتصبر على الأذى خير من تلك التي لا تصبر ولا تخالط، وخير ما يجتمع عليه الناس هو العمل لخدمة الدين.

والمسلمة من سلمت أخواتها وإخوانها من لسانها ويدها، والمؤمنة من أمنها الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، والمهاجرة من هجرت ما نهى الله عنه.

وأرجو أن تحسني التعامل مع هذه الأخت وتقبلي أحسن ما عندها، وعليك أن تتسامحي معها في جانب النقص والخلل، والناس مختلفون في طباعهم وأخلاقهم، ولا داعي للتعامل معها بقسوة، ولا تعطي الشيطان فرصة، فإن هذا العدو يئس أن يعبده المصلون، ولكنه رضي بالتحريش بينهم، ولا شك أن الفرق كبير بيننا وبين سلفنا الأبرار، الذين حولوا نصوص الشريعة إلى ممارسات عملية في حياتهم اليومية، فصبروا على الأذى واحتملوا الجفا، ولا عجب فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ))[الأعراف:199]، فكان عليه صلاة ربي وسلامه يعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه، ويصل من قطعه.

وإذا فهم الإنسان نفسيات الناس وطريقتهم في التفكير تمكن من التعامل معهم والوصول إلى قلوبهم، والناس معادن، وأصابع اليد الواحدة متفاوتة، وهكذا خلق الله الناس ولا يزالون مختلفين.

والإنصاف يكون في أن نعامل الناس بمثل ما نحب أن يعاملونا به، المؤمنة تحب لأختها ما تحب لنفسها، وتكره لأختها ما تكرهه لنفسها.

وأرجو أن لا تكون هذه الأخت موضوعاً لجلساتكم، وفاكهة لمجالسكم، فإن الإسلام حرم الغيبة، ومن حسن الخلق أن يكف الإنسان عن إخوانه، وندب عن أعراضهم في غيبتهم، وينقل أحسن ما وجد عندهم، وينصح سراً إذا وجد خللاً ومخالفة، ولا يحدث الناس بما قدم من نصائح، فإن ذلك يخدش الإخلاص، ولا يعين على قبول النصائح، وقولي لإخوانك لا تبلغي أختا عن أخرى، فإني أحب أخرج إليكم سليمة الصدر، واحرصي على أن تسعدي الجميع بحسن خلقك وابتسامتك، وإذا مدحوك فرددي ما قاله الصديق رضي الله عنه: (اللهم اجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون) ولا تغتري بثناء الناس عليك، فإنهم يعلمون ظاهرك، والله وحده المطلع على السرائر، وأنت أعلم بحقيقة نفسك منهم، والله سبحانه أعلم بنفسك منك.

وإذا أخلص الإنسان استوى عنده مدح الناس وذمهم، فاجعلي رضى الله غايتك، وتعاملي مع هذه الأخت بحكمة وحذر، ولا تخبريها إلا بما فيه مصلحة شرعية، ولن يستفيد الإنسان إلا بعمله وإخلاصه لربه.

ونحن ننصحك بتقوى الله وطاعته، وبضرورة الرفق بأخواتك وفهم نفسياتهن، ومعاملة كل أخت بالأسلوب المناسب، فإن الناس يختلفون في فهمهم وفي طريقة حياتهم وفي تحملهم للآخرين.

وقد ظهر لنا من كلامك عن هذه الأخت أنك تفهمين طريقتها، وهذه هي أول الخطوات في التعامل الناجح معها، فعليك بالصبر، فإنه مفتاح الفرج والخير، وأرجو أن لا تعطي الأمر أكبر من حجمه، ولا أظن أن في الأمر كربة، ولكن نسأل الله أن يهيئ لك من أمرك رشدا، واعلمي أن الله سبحانه جعل بعضكم لبعض فتنة، قال تعالى: ((وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا))[الفرقان:20].

وأرجو أن تكوني هادئة في التعامل معها، واستخدمي العقل الذي منحك الله، واعلمي أن عقلانيتك سوف تعيد التوازن أمام العواطف والعواصف، ونسأل الله أن يصلحكن وأن ينفع بكن بلاده وعباده، وأن يؤلف بين القلوب، ورددي في يقين: ((وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا))[الحشر:10].

والله ولي التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً