الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما العلاج للوسواس القهري المستمر؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا رجل عمري 30 سنة، أعاني من الوسواس القهري منذ 9 سنوات، اشتد علي الوسواس، خاصة من باب الأشياء المحرمة أو البسيطة، فإذا أذنبت ذنبا أضخم الذنب وأبقى أفكر فيه، فقد كنت من قبل لا أهتم حتى لأضخم الأحداث، لكن حاليا عندما أتعرض لموقف أضخمه حتى أصبحت أبسط المواقف والأخطاء تهلكني، وأظل أفكر في الموضوع وفي صوره، ويخيل لي أشياء خاطئة وغير منطقية ولا صحيحة، وحتى لو كان الخطأ طبيعيا، ولايلتفت إليه معظم الناس، فأنا أضخمه ويبقى في ذهني.

أتعالج بالأدوية النفسية منذ سنوات، وتعالجت فترة بالجلسات النفسية، وطبقت التجاهل، لكن الأفكار بقيت ملحة وتتطور، وفي كل مرة أتحسن منه قليلا يعود ويسبب لي الاكتئاب، وأعود لتناول الأدوية، وتنهار نفسيتي، وقد تعبت من تكرار نفس الوضع، إضافة إلى خوفي من الذنوب، وأعاني من الوحدة، وأكره كل شيء، وفقدت الشغف وحب الحياة، ولم يعد شيئا يسعدني، وعندما أمر بقبر أتمنى لو كنت مكانه، فقد تعبت لدرجة كبيرة.

أنا خائف من تدهور حالتي، ومن الزواج، خاصة مع هذا المرض، وقد فكرت في الانتحار، لكنني خائف من عذاب الله لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن خلود المنتحر في جهنم، فما الحل من فضلكم؟ أرشدوني.

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأنت معروفٌ لديَّ تمامًا، ولديك مشاركات سابقة، وقد تحدثنا كثيرًا حول موضوع الوساوس وكيفية علاجها.

أخي: التردد أو التهاون في علاج الوسواس يُؤدي إلى استحواذه، وتمكُّنه وإلحاحه، وهذا يُسبب إشكالية لمن ينتهجون هذا المنهج، لكن -بفضل من الله تعالى- الذين أحسنوا مقاومة الوسواس وحقّروه وتجاهلوه وتناولوا أدويتهم بصورة صحيحة؛ عاشوا حياة طيبة، ولا شك في ذلك.

فيا أخي الكريم: أرجو أن تأخذ بالنصائح السابقة التي ذكرناها لك.

طبعًا آلمني كثيرًا حديثك عن فكرة الانتحار، لكنّ -بفضل الله تعالى- أيضًا أسعدني أنك التفت إلى موضوع الخوف من عذاب الله، وأنا أقول لك يا أخي: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا}، و-الحمد لله تعالى- خلال أربعين سنة لممارستي للطب النفسي لم أر شخصًا واحدًا يُعاني من الوساوس القهرية الحقيقية قد انتحر، وذلك لأن مرضى الوساوس لديهم درجة عالية جدًّا من الضميرية، ضميرهم يقظ، ودائمًا يهتمُّون بالفضائل وكرائم الأخلاق، وأعتقد أن هذه السمات هي التي أوقعتك في الشعور بتضخيم الذنوب، ومن وجهة نظري أن تضخيم الذنوب هو أمرٌ جيد، لكن يجب ألَّا يكون لدرجة المبالغة، وحين يُضخم الإنسان الذنب يجب أيضًا أن يُضخم رحمة الله، ويُذكّر نفسه بآيات الرجاء. هذه - يا أخي - هي المعادلة الصحيحة.

وطبّق التمارين السلوكية المعهودة: إيقاف الفكرة، صرف الانتباه عنها، والتنفير منها. وسيكون أيضًا من الجميل أن تجعل نمط حياتك نمطًا إيجابيًّا، تُحسن إدارة الوقت، تجتهد في عملك، تجتهد في القيام بالواجبات الاجتماعية وأدائها على أكمل وجه.

المشكلة الكبيرة أن بعض الناس الذين يُعانون من الوساوس القهرية أنهم يعطونها الفرصة لأن تكون في قمّة تفكيرهم، وهي بذلك تحجب عنهم الأفكار الجميلة والإيجابية، ونحن نقول للناس: لا، من خلال عدم محاورة الوسواس، وتجاهله، وتحقيره، وتطبيق التمرينات السلوكية سوف ينزل الفكر الوسواسي إلى درجات الدُّنيا في سُلَّمِ الفكر لدى الإنسان، وسوف تعلو الأفكار الإيجابية. هذا مهمٌّ علمه حتى نحرص على ما هو مفيد، ونستعين بالله ولا نعجز.

طبعًا - يا أخي - الأدوية مهمّة وفاعلة، وهي كثيرة، أنا شخصيًا أرى أن تناول الـ (بروزاك) والذي يُسمَّى علميًا (فلوكستين) مع الـ (فافرين) وجرعة صغيرة من الـ (أنفرانيل) وجرعة صغيرة من الـ (ريسبيريدون) هو أفضل علاج للوسواس المقاوم، الوسواس المُزمن. هذه المجموعة من الأدوية فاعلة جدًّا -أخي الكريم-، وأنا متأكد أنك اطلعت على هذا الأمر من قبل، وأنت لم تذكر في هذه الاستشارة نوع الأدوية التي تتناولها، وهذا - يا أخي - يمكن مراجعته مع طبيبك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً