الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدود العلاقة بين المرأة وأقاربها من غير محارمها

السؤال

السلام عليكم.

تزوجت منذ شهرين من امرأة تربت في بيت فيه أبوها وعمها وأولادهم بنفس البيت، يأكلون ويشربون وينامون معاً، لا يعرفون غير أنهم إخوة، خطبتها لأربع سنوات ونصف، ونبهتها أن أبناء عمها ليسو إخوتها وليسو محارمها، فلا يجوز أن تحتضن وتقبل المسافر منهم أو الغائب،
حتى تزوجت ولم أعد أستطع احتمال أنهم كلما أتوا حتضنوها أمامي.

أنا متيقن من حسن نيتهم جميعاً سواء هم أو هي، وهي لا ترفض طلبي بذلك، ولكن تخاف إن فعلت ذلك يغضب أهلها ويقطعونها، ومنذ يومين تكرر الموقف فغضبت ولم أكلمها حتى اليوم، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: مرحبًا بك والدنا الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك حُسن خلقك، ورفقك بزوجتك، وإحسان الظنّ بها.

ثانيًا: كما تعلم -أيها الحبيب- أن الله سبحانه وتعالى أعلم بما يُصلح أحوال خلقه، وهو القائل سبحانه وتعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]، وهو أعلم سبحانه وتعالى بمداخل الشيطان إلى النفس الإنسانية، ومن ثم فإنه سبحانه وتعالى شرع الشرائع التي تُصلح هذا الإنسان وتحميه من أنواع الفساد قبل وقوعه، وكلُّ ما شرعه الله سبحانه وتعالى خيرٌ وصلاح.

من هذه الشرائع التي شرعها الله سبحانه وتعالى أن وضع حدودًا لعلاقة المرأة بالرجل الأجنبي، وبيّن مَن هو الأجنبي، وأنتَ قد تفضلت في سؤالك بأن أبناء العمّ ليسو من المحارم، ومن ثمّ فإن الواجب الشرعي يُحتّم على المرأة أن تقف عند حدود الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمر قد اعتنى به القرآن ووضّح حدوده، ووضّح مَن هم المحارم، ونهى الله سبحانه وتعالى عن ترك المرأة حجابها وإبداء زينتها أمام غير المحارم، فقال سبحانه وتعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] وهكذا في سورة الأحزاب قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].

والرسول صلى الله عليه وسلم حذّر أشد التحذير من لمس المرأة الأجنبية للرجل الأجنبي، والعكس، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا بايع النساء يُبايعهنَّ بالكلام ولا يُصافح امرأة، فقد أخبرت عائشة رضي الله عنها بذلك، أنه صلى الله عليه وسلم ما مسّت يده يدُ امرأة قط، مع أنه صلى الله عليه وسلم أتقى خلق الله تعالى، وأعلمهم بما يُتقى، وأكثرهم طاعة لله تعالى، قلبُه مُطهّر، ومع هذا شرع عليه الصلاة والسلام للأمّة الوقوف عند هذه الحدود.

إذن: لا ينبغي التساهل أبدًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني وصححه الشيخ الألباني: (لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ تَمَسَّهُ امْرَأَةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ). فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: (الحَمْوُ المَوْتُ) متفق عليه، والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير المحارم كالأخ والعم والخال وأبنائهم، لأن دخوله أخطر من دخول الأجنبي وأقرب إلى وقوع الحرام؛ لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه والخلوة بها، فيدخل بدون نكير، فيكون الشر منه أكثر والفتنة به أمكن.

وبالتالي فأبناء عمها هم من الأجانب عليها، فلا يصح لها الخلوة ولا مصافحتهم فضلاً عن المعانقة والحضن.

نصيحتنا لك -أيها الحبيب- أن تُبيّن كل هذه الأحكام لزوجتك، وتُقنعها بأن ما قد يظهر من حُسن القصد لا يُبرّر أبدًا الوقوع في هذا المحرم، وأن الله سبحانه وتعالى أولى بأن يُستحيى منه، وأن الأهل إذا فهموا هذه المسألة الشرعية وعلموا قول الله فيها وقول رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهم سيعذرونها، وإن لم يعذروها وغضبوا منها فإن هذا الغضب سينتهي، ولن تتضرّر به كغضب الله سبحانه وتعالى.

استمر على ما أنت عليه من النهي عن هذا المنكر، واستعمل الوسائل التي تُعين على إزالة هذا المنكر وعدم الوقوع فيه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً