الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يتفق مسلمان في نهج التعامل بينهما؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب في ال28 من عمري، أدرس بالولايات المتحدة الآن.

منذ بضعة أشهر قابلت شاباً تقياً أحببته في الله، وأعنا بعضنا على الصلاة والذكر والتفاكر في آيات الله وتدارس الفقه والجلوس في مجالس العلم، مع حبي الشديد له، بدأت أنصحه على أن يغير بعض ما فيه من أخطاء -وكل ابن آدم خطاء- مع سبق سؤال مني له إذا كان يقبل النصيحة أم لا وقال لي تفضل.

أنا لا أدخل نفسي في مقل هذه المواقف عادة من باب ترك ما لا يعنيني، تفاجأت بعدها بأنه بعد عني وقال لي أنت تدقق في أفعالي وأنا أعلم بخطئي وليس لك الحق في التدقيق فيني فأنت لست ربي، والعياذ بالله من انفلات نفسي إن أحسسته بذلك، قلت له أنت من طلب مني وسمحت لي بنصحك وعذراً لخطئي فليس لي نصيب من الحكمة لفهم نفسيتك.

المؤلم أنه ظن في ظن سوء مع أن نيتي كانت خالصة ورغبت في نصحه، الآن أريد أن أعرف كيفية التعامل مع هذه المواقف في إطار الشرع: كيف نميز بين الأمر بالمعروف وترك ما لا يعنينا؟ وبالنسبة له هو، هل تصرفه صحيح في أن (يلغي التعامل معي) كما ذكر، دون أن يرشدني أو يقول لي قد أخطأت في كذا وكذا؟

مع العلم أنه قال لي: ليس علي إثم في هجر من يزعجني، وكان ردي: إن هذا شيء من الكبر، أنت تظن ظنا خاطيئا وتبني تصرفا غير لطيف بناءً على ظنك وتتصرف، لم أستطع المجادلة لأني لا أدري إذا كان هذا كبر أم لا، أرجو أن تفيدوني ببعض الفتاوي في كيفية تعامل المسلمين مع بعضهم في مثل هذه المواقف، وهل الهجر أو قطع التعامل يعد ظلم للمسلم وهل عليه إثم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الفاضل- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يكتب أجرك وأن يبارك في عمرك وأن يصلح حالك وحال صاحبك.

أخي الكريم: جعل المشرع للنصيحة آدابا وضوابط، لعلمه أنها ثقيلة على النفس خاصة بين الأقران، أو بين الأصحاب ذوي الأعمار المتقاربة، ومن تلك الضوابط:

- أن تكون بروح الأخوة والمودة، لا تعنيف فيها ولا تشديد، وقد قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/ 125.

- أن تكون بعلم وبيان وحجة، وأن تكون مصحوبة بالدليل المعصوم أو الحجة الظاهرة.

- أن تكون في السر، فلا يجهر بها أمام الناس إلا للمصلحة الراجحة.

قال ابن رجب -رحمه الله-: "كان السَّلفُ إذا أرادوا نصيحةَ أحدٍ، وعظوه سراً، حتّى قال بعضهم: مَنْ وعظ أخاه فيما بينه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنَّما وبخه. وقال الفضيل: المؤمن يَسْتُرُ ويَنْصَحُ، والفاجرُ يهتك ويُعيِّرُ".

- أن تكون أحيانا بالتعريض لَا التَصْرِيح، إِلَّا أَن لَا يفهم المنصوح تعريضك، فَلَا بُد من التَّصْرِيح.

- أن يختار الناصح أحسن العبارات، ويتلطف بالمنصوح، ويلين له القول.

- أن يصبر الناصح على ما قد يلحقه من أذى بسبب نصحه.

- كتمان السر، وستر المسلم، وعدم التعرض لعرضه، فالناصح رفيق شفيق محب للخير راغب في الستر.

- أن يتحرى ويتثبت قبل النصيحة، ولا يأخذ بالظن، حتى لا يتهم أخاه بما ليس فيه.

- أن يختار الوقت المناسب للنصيحة. قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إِنَّ لِهَذِهِ الْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالًا، وَإِنَّ لَهَا فَتْرَةً وَإِدْبَارًا، فَخُذُوهَا عِنْدَ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا، وَذَرُوهَا عِنْدَ فَتْرَتِهَا وَإِدْبَارِهَا". رواه ابن المبارك في "الزهد" (1331).

- أن يكون الناصح عاملاً بما يأمر الناس به، وتاركاً لما ينهى الناس عنه، قال الله تعالى-موبخاً بني إسرائيل على تناقض أقوالهم مع أفعالهم-: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) البقرة/44، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يأمر الناس بالمعروف ولا يأتيه، وينهاهم المنكر ويأتيه.

هذه الآداب والضوابط قد تتوفر كلها، ومع ذلك تجد نفرة من المنصوح نظرا لاعتبارات كثيرة من أهمها قرب العمر أو التركيز على ما أراد الصاحب إخفائه، أو الشعور بأن مكانته تقلصت بعد علمك بما وقع فيه، أو لغير ذلك.

إننا ننصحك بما يلي:
- ليس هناك أخ يجمع الفضائل كلها، وليس هناك أحد مبرء من العيب، والعاقل من ينظر إلى مجموع المحاسن لا إلى أفراد المعايب.

- المعاصي المستورة لا تقدم لصاحبها النصيحة وإنما تجتهد وبطريق غير مباشر أن تصرفه عنها بالموعظة الحسنة وضرب الأمثال البعيدة، وإشغال وقته بالنافع، وزيادة معدل تدينه بالمحافظة على النوافل والأذكار.

- لسنا قضاة ولا رقباء على أحد، فلا تجعل من نفسك قيّما على أخيك، ولا تشعره بذلك.

- كل نصيحة يتحسس منها أخوك فابتعد عن ممارستها وابحث عن بدائل لحلها.

- التحدث عن الإيجابيات يجب أن يكون ثلثي الحديث عن السلبيات مع مثل هذا الأخ.

- اجتهد في إزالة أي لبس حصل بينكم، وأظهر له حرصك عليه ومحبتك له.

- اعرض عليه بعض المشاكل التي تقع أنت فيها، وخذ رأيه، وأره أنك مستعد لقبول النصيحة منه بطريقة عملية.

- أكثر من الدعاء له، وسل الله أن يحفظ عليكما الأخوة فإنها أثمن ما في الحياة.

وأخيرا: كسب الأخ أولى من كسب الموقف، فلا تجتهد أن تجعله مخطئا واجتهد أن تظهره أخا نافعا.

بارك الله فيكما وغفر لكما والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً