الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل لبصيرة الشخص علاقة بقوة تدينه؟

السؤال

السلام عليكم.

سؤالي هو: هل من الممكن لشخص إذا ما كان لديه دين قوي أو علاقة قوية برب العالمين أن يكون شخصاً مستبصراً أو يستطيع أن يكشف ما في قلوب الناس؟ أو كيف يفكرون؟ أو على علم أعمق بما يكمن في أنفسهم من باقي الأشخاص العادية؟ هل هذا ممكن على الإطلاق؟ وفي أي الحالات بالتحديد يكون هذا ممكناً؟ وكيف يصبح ذلك ممكناً؟

أرجو الإجابة على سؤالي بحكم أني لم أتعمق في هذا الموضوع، بل سمعت عنه وأريد معرفة مدى صحته، وشكراً جزيلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوار حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

ما تسألين عنه -أيتها البنت الكريمة- من أن يكون الإنسان مستبصراً ويستطيع أن يكشف ما في قلوب الناس أو كيف يفكرون، هذا السؤال ينطوي على علم صحيح ومحاذير كبيرة، أما العلم الصحيح فهو أن الله سبحانه وتعالى يقذف في قلب المؤمن نوراً يستضيء به هذا القلب، وبهذه البصيرة التي تحصل في القلب يدرك ما لا يدركه غيره من الناس، فيتفرس أي يتوقع، ويظن ظناً لا معارض له في بعض الأمور فيصيب، وهذا المعنى يسمى الفراسه والتوسم، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآياتٍۢ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ)، قال مجاهد -رحمه الله-: المتفرسين، الفراسة، وقد ورد فيها حديث رواه الترمذي "اتقوا فراسة المؤمن".

وهذه الفراسة لا ينالها الإنسان إلا بقربه من الله سبحانه وتعالى وصفاء قلبه من الآثام والمعاصي، فيعطيه الله تعالى هذا النور الذي يفرق به بين الحق والباطل، ويميز به بين الصادق والكاذب، فهي ثمرة على قوة الإيمان، وقد حكى الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- عن بعض علماء السلف الصالح الأسباب التي تنال بها هذه المرتبة فيقول: (من غض بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بالمراقبة، وظاهرة باتباع السنة، وتعود أكل الحلال لم تخطئ فراسته)، ومعلوم أن هذه المراتب وهذه الأعمال تورث الإنسان صفاءً، ونوراً، فليس بمستبعد ولا مستحيل بعد ذلك أن يرزقه الله تعالى بصيرة في قلبه، يستطيع أن يدرك بها ما لا يدركه غيره ممن أظلمت قلوبهم، ولكن كما أن هذا العلم كما قلت في أول الكلام علم صحيح ودلت عليه الآيات والأحاديث، فإن العلماء يحذرون أيضاً من ادعاء الفراسة، وأن يزكي الإنسان نفسه ويدعي أنه كذلك، ولهذا قال أبو حفص النيسابوري كما حكاه ابن القيم: ليس لأحد أن يدعي الفراسة ولكن يتقي الفراسة من الغير، قال: لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. ولم يقل تفرسوا).

وهذا الفرق دقيق جداً ومهم جداً، فإن الإنسان الصالح من شأنه أن لا يزكي نفسه، وأن يتهم نفسه على الدوام، وأن يرى نفسه مقصراً، مذنباً، فإذا زكى نفسه وظن في نفسه الصلاح والخير فهو مخالف لهذا الطريق الذي تنال به هذه الفراسة، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الصلاح والاستقامة على الدين وهذا هو أعظم المطالب وأهم الكرامات التي ينبغي أن نحرص عليها ونحرص على الاستقامة بمعناها الصحيح، وبعدها سيتبين لنا الحق من الباطل وما ينبغي أن نفعله وما لا ينبغي فعله.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات