الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

استفسارات حول شمولية طاعة الزوجة لزوجها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة جامعية، أحببت أن أزيد معرفتي بالدين، خصوصاً في أمور الزواج، بسبب الذي رأيته من أزواج من حولي، وكنت متأكدة أن الدين لا يظلم أحداً، ولكن بعد قراءة بعض الفتاوي شعرت أنني أضحك على نفسي، أنا أعلم أن طاعة الزوج واجبة، وحفظت أحاديث تقديس الزوج، وأريد الإجابة على استفساراتي، وربما أتخذ قراراً بعدم الزواج لو رأيت أن مصلحتي في عدم الزواج.

أولًا: أنا أعرف أن طاعة الزوجة واجبة، ولا أعتقد أنني لن أطيع زوجي إذا رأيت أيضاً المصلحة في هذا، ولكن ماذا لو استخدم الزوج هذا الحق تعسفاً منه وليس لمصلحة الأسرة، مثلاً: أنا مثل الجميع في الوقت الحالي لدي هاتف أتكلم فيه مع صديقاتي والحمد لله ملتزمة، ماذا لو لم يكن هناك سبب للمنع؟ أي لا يوجد ريبة، ومع هذا رفض استخدامي للهاتف، حيث أنني لا أظن بأني سوف أطيعه في هذا الأمر لو كان تعسفاً منه، وهل سأكون ناشزاً لمجرد أنني أردت شيئاً مباحاً وزوجي منعني منه تعسفاً؟ إن كان استخدامي في حدود المباح، ولا يوجد ريبة، وبدون إذن الزوج يسمى هذا نشوزًا، فأنا لا أريد الزواج.

ثانياً: أعلم أن تزين الزوجة لزوجها مستحب، وإذا طلب منها يكون واجباً عليها، ولكن إذا طلبت هي يكون متفضلًا.

ثالثاً: إذا منعها من الخروج من باب التضييق عليها فقط، حيث إن الطريق مأمونة وهي ملتزمة بالحجاب الشرعي، وإذا خرجت تخرج إلى بيت إحداهن، ولكنه يمنعها لمجرد التضييق، فهل ترفع أمره إلى القاضي؟ فلو منعني من المباحات تعسفاً يسمى نشوزًا هل أرفض الزواج؟ حتى أن البعض قال: إذا طلب أن تغسل قدميه ورفضت تكون ناشزًا، لا مانع، ولكن كيف اعتبر ناشزاً بسبب رفض أمر ثقيل على قلبي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Mary حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يتم عليك نعمة الصلاح إنه بر لطيف.

أختنا الكريمة: دعينا أولاً نضع بعض القواعد الحاكمة حتى ننطلق منها:

أولاً: شرع الله تعالى هو العدل الذي لا ظلم فيه، هو الحق الذي لا باطل فيه، هو اليقين الذي لا شك فيه؛ لأنه من عند الله أنزل، والله يعلم ما يصلح عباده وله الخلق والأمر، لا يسأل سبحانه عما يفعل.

ثانياً: هناك فرق بين أحكام الدين وبعض من يتحدثون باسم الدين، وبين النص ومن يفهمون النصوص، فالأول نعني النص معصوم، واجتهاد البعض خاصة إذا لم يكونوا من أهل التخصص كلامهم مردود عليهم إذا خالفوا محكمات الدين.

ثالثاً: ذكرت أن الأحاديث التي قرأتها تحث على تقديس الزوج، فما معنى التقديس في تصورك؟ وأين الأحاديث الصحيحة التي تدعو إلى تقديس الزوجة زوجها؟

رابعاً: العلاقة بين الزوج والزوجة في القرآن والسنة قائمة على أمرين:
1- الود والرحمة.
2- الحقوق والواجبات
ففي سورة الروم في الآية (21)، يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).

أوجب الإسلام على الزوج إذا أرد الزواج:

1- المهر: وهو حق خالص للمرأة لا يشاركها فيه أحد: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة).

2- النفقة: أوجب عليه النفقة على زوجته، وتوفير ما تحتاج إليه، وإن كانت غنية.

3- السكنى: أوجب الإسلام عليه توفير المسكن المناسب لها: (أسكنوهنَّ من حيث سكنتم مِن وُجدكم).

4- أوجب الإسلام على الزوج حسن المعاشرة: وذلك بتحسين خلقه معها، والرفق بها، فقال تعالى:(وعاشروهن بالمعروف).

5- أوجب لها حقوقاً معنوية، مثل ما للرجل تماماً، فقال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، قال ابن عباس: إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى ذكره بقوله: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).

6- عدم الإضرار بالزوجة: وهذا يعد من أصول الإسلام عامة، فإذا كان إيقاع الضرر محرماً على الأجانب فلأن يكون محرماً إيقاعه على الزوجة أولى وأحرى، فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى (أن لا ضرر ولا ضرار).

هذا بعض ما طلبته الشريعة من الزوج، ولو رجعت إلى شروحات السنة لوجدت ذلك وزيادة.

خامساً: كذلك أوجب الإسلام على المرأة السمع والطاعة لزوجها في غير معصية الله تعالى، فإذا أمرها بحلال وجب السمع والطاعة، وإذا أمرها بمعصية فلا سمع له ولا طاعة في هذه المعصية.

سادساً: المباح هو ما تردد بين الحلال والحرام، والإسلام يأمر الرجل بالإحسان إلى الزوجة وألا يتعدى عليها في المباح، إذا لم يكن فيه من خوارم المروءة فضلاً عن الحرام قطعاً، فإذا رأى الزوج من زوجته إهمالاً له، أو لبيته لأجل الجوال الذي هو مباح ومنعها منه، وجب عليها السمع والطاعة، أما إذا كان مستبداً فإن الشرع لا يريد منه ذلك، كما لا يريد للمرأة أن تعاند فتنقلب الحياة إلى جحيم، ولكنه يأمره بحسن الطلب، ويأمرها بالصبر والحوار حتى يتجاوزا سوياً تلك المشكلة العابرة.

ولو أصر الزوج على عناده جاز لها أن تدخل حكماً من أهلها هي، ويدخل هو حكماً من أهله حتى يصلحوا بينهما، ولهما أن يقرا من المخطئ ومن المصيب، وعلى الاثنين الاستجابة بالمعروف أو الفراق بالمعروف، فأي اعتداء هنا وأي تقديس؟

سابعاً: النشوز -أختنا- هو: استعلاء الزوجة على زوجها، وعصيانه فيما تلزم طاعته فيه بغضاً منها وإعراضاً، وليس كل اختلاف بين الزوجين في أمر مباح يعد نشوزاً، بل اختلف الصحابة مع زوجاتهم، واختلفت زوجات النبي مع النبي فماذا كان؟ لكن كان هذا كله في إطار تقدير الزوجة زوجها وعدم الاستعلاء عليه.

وأخيراً أختنا: الزواج ليس عملية حسابية أو (خذ وهات)، الزواج ود قائم بين زوجين، وإعانة كل منهما للآخر في الدنيا والدين، وصحبة صالحة، ورفقة مأمونة، والرجل متى ما أحب زوجته تنازل لأجلها، والزوجة متى ما أحبت زوجها غسلت أخمص قدميه.

هذا ما أردنا إيصاله لك: ونرجو -أختنا- أن تبتعدي عن محاكمة الشريعة أو محاكمة دينك، لك مطلق الحق في السؤال، لكن نخاف عليك من بعض الكلام الذي يخرج، وقد يكون مرده وخيماً، كقولك -حفظك الله-: (كنت متأكدة أن الدين لا يظلم أحداً، ولكن بعد قراءة بعض الفتاوى شعرت أنني أضحك على نفسي)، هذا خطر -أختنا-، فليس في ديننا ما نخجل منه، وليس في ديننا ما نستحي منه، والعاقل من يتهم نفسه قبل أن يتهم غيره، ومن يسأل قبل أن يحكم، وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فقال: (إنّ العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا).

نعيذك بالله من ذلك، ونسأل الله لك السلامة والمعافاة، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً