الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصاب بمرض روحي ولم يفدني شيء.

السؤال

السلام عليكم.

أنا رجل مطلق، عمري 31 سنةً، أقيم في دولة أوروبية، أعاني من مرض روحي (سحر أو مس) منذ قرابة الست سنوات، رغم أني أعالج نفسي بالرقية الشرعية منذ فترة طويلة، إلا أن حالتي لا تزداد إلا سوءاً.

أعاني من أعراض كثيرة مثل: الطنين، وعوائم العين، والرائحة الكريهة.

في الحقيقة جربت تقريباً كل أنواع العلاجات ولم تتحسن حالتي، والفحوصات الطبية لم تشر إلى أي مرض عضوي.

أنا ملتزم -بحمد الله-، وأقرأ القرآن، ولكن الله عز وجل لا يستجيب دعائي، وتركني أعاني من مرضي، وأحتاج لنصيحتكم دينياً أو طبياً؛ علها تتحسن حالتي، لأني وصلت إلى مرحلة متقدمة من المرض.

جزيتم كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يُعجّل لك بالعافية، وأن يكتب لك الشفاء.

نحن نتفهم –أيها الحبيب– المعاناة التي تعيشها بسبب الابتلاء والمرض، ولكننا في الوقت نفسه نذكّرُك بأن البلاء كما أنه يحمل في طيّاته معاناة وآلام، فإنه أيضًا يحمل في طيّاته أنواعًا من الخيرات، فالبلاء يُكفِّر به الله تعالى الذنوب والسيئات، ويرفع به الدرجات، وأصحاب البلاء إذا صبروا يُوفَّوْن أجورهم بغير حساب، وحين يرى الناس عمومًا أجور الصابرين في الآخرة يتمنّى الواحد لو أن جِلده قُرضَ بالمقاريض، يعني لو أن جلده قُطّع وقُصَّ بأدوات التقطيع –المقص والسكين وغيرها– لينال أجر الصابر المحتسب.

فالبلاء –أيها الحبيب– يُقدّره الله الربُّ الرحيم، الودود سبحانه وتعالى، هذا البرُّ الرحيمُ سبحانه أرحم بك من نفسك، فإذا قدّر عليك ما تكره، وكتب عليك أنواعًا من الأوجاع والآلام فإنما يفعل ذلك لما يعلمه سبحانه وتعالى من الثمار الكثيرة الطيبة التي يُرتّبُها على ذلك البلاء، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ الرَّجُلَانِ مِنْكُمْ) يعني إذا أصابته الوعكة والحمّى فإن الله يُقدّر عليه من المعاناة والمشقة ما يُقدّره على رجلين، وقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا)، فهذه مضاعفة للبلاء وللمرض لما يترتّب عليه من مضاعفة الثواب والأجر.

وأنت تقرأ في القرآن الكريم قصة نبي الله تعالى يونس، وكيف ابتلاه سبحانه وتعالى، وتقرأ قول الله سبحانه وتعالى قصة أيوب -عليه الصلاة والسلام-، وكيف ابتلاه الله سبحانه وتعالى بالمرض، وقد وردت أخبار كثيرة في وصف هذا المرض، وأنه أُصيبَ في كل شيءٍ من بدنه، ولم يبق إلَّا لسانه يذكر به الله تعالى، حتى استقبحه أهلُه، واستقذروه، لما يرون في جسده من التغيُّر والتهتُّك والتقطُّع والقَيْح ونحو ذلك، واستمرَّ على ذلك سنين كثيرة، حتى مَنَّ الله سبحانه وتعالى عليه بالفرج، هذا وهو نبيٌّ من أنبياء الله.

فالابتلاء والامتحان لا يدلُّ أبدًا على أن الإنسان ليس محبوبًا عند الله سبحانه وتعالى، بل قد يكون الأمر على العكس من ذلك، وقد قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).

فنصيحتُنا لك أن تقرأ أخبار الابتلاءات التي تعرَّض لها الصالحون، وكيف صبروا عليها، وأنت تعلم أن القدر المكروه قد يجعل الله له وقتًا وأمدًا وينتهي بعد ذلك الأمد والوقت، وقد يكون هذا الوقت طويلاً، وقد يكون قصيرًا بحسب علم الله تعالى، وأنت لا تدري متى يأتي هذا الفرج.

ولذلك لا ينبغي أبدًا أن تيأس من رحمة الله تعالى، ولا تسمح لمشاعر القنوط التي يحاول الشيطان أن يُوصلها إلى قلبك، لا تسمح لها بالوصول إلى قلبك، فضلاً عن أن تسمح لها بالسيطرة على هذا القلب، فأحسِنْ ظنّك بربّك، فإن الله يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظُن بي ما شاء).

فأكثِرْ من دعاء الله تعالى بأن يكشف عنك الكرب، وأن يُزيل عنك المكروه، وافعل ما تستطيعه من أنواع التقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى، لاسيما الفرائض واجتناب المحرمات، واعلم بأن الله سبحانه وتعالى لا يضيع عنده شيء، فإنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، والدعاء من هذا العمل، فإنه لا يضيع، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ) ثم فسّر كيف يعجل، فقال: (يَقُولُ: دَعَوْتُ دَعَوْتُ فَلَمْ أرَ يُستجاب لي، فيترك الدعاء)، فإذا ترك الدعاء ترك الله تعالى الإجابة، فلا يجرّك الشيطان إلى هذا المربع، ويحول بينك وبين دعاء الله تعالى، فإن دعائك لله تعالى هو نفسه عباده، تنال بها أجورًا كثيرة، وهي سبب للإجابة بعد ذلك.

ففوض الأمور إلى الله، وارضَ بقضاء الله، وخذ بالأسباب التي تدفع بها هذا المكروه، من التداوي بالرقية الشرعية، والاستمرار عليها، وطلب الدواء عند الثقات من الأطباء، واصبر حتى يكتب الله سبحانه وتعالى الفرج، واعلم بأنك على خير على كل تقدير، وأن الله سبحانه وتعالى ساق إليك خيرًا كثيرًا.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدّك بالصبر، ويهوّن عليك كل عسير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً