الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوبة من محادثة الشباب عبر النت وقطع العلاقة بهم

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسألك بالله يا شيخنا الفاضل أن لا تهمل رسالتي، من الممكن أن تكون مجرد رسالة لكنها بالنسبة لي تصحيح لمساري في الحياة، فأرجو قراءتها وإفادتي بالحل؟

فضيلة الشيخ! أرجو منك أن تفيدني وتنقذني من حيرتي، عقلي يحاورني بشيء، وقلبي يقول لي شيئاً آخر، وأنا والله إنسانة محافظة على أمور ديني، لكن قدر الله لي أن أدخل مجال الإنترنت، بسبب تخصصي الدراسي.

أنا طالبة جامعية، وأدرس من خلال النت، ولنا موقع نناقش فيه الواجبات، وكنت قروب مع بنات وشباب من خلال الماسنجر، وكنا ندرس فقط دراسة، ولا نتكلم بموضوع غير مواضيع الدراسة، فبدأ أحد الشباب يقل أدبه علي بتصرفات معينة، فتخالفنا معه وطردناه، وفتحت مجموعة الماسنجر، فلقيت أن واحدة من البنات اللاتي معنا أعطتهم معلومات عن اسمي الحقيقي، وبعد فتح المجموعة بدأ يستفزني.

بعدها لجأت لمدير الموقع وأضفته في الماسنجر، وشكوت له الحال، ووقف معي وخلصني منه ومن غيره، وكانت تحصل معي مشاكل على الموقع وفي الجامعة، وكان يعطيني الحل الأمثل، ويوم وراء يوم توطدت علاقتنا لكن بحدود الأخلاق الحميدة، وكان يطلق علي لقب ( أختي! ) لكن مع مرور الوقت، أحسست أن وراء هذا اللقب كلاماً، وفعلاً في أي فرصة يلمح لعلاقة محبة ويحاول أن يفتحه، وأنا أرفض بطريقة لبقة وأحاول أذكره بالعواقب وغيرها.

مرت الأيام وأنا شبه اقتنعت، وهو يدري أني ما اقتنعت، وعلى طول يطلب مني أن أثق فيه، لكن لا أدري ما هي حدود الثقة في نفسه، وقال أنه سيعرفني على أخته، فطلبت منه أن أكلمها في الماسنجر أولاً، فقال لي: كلميها بالجوال، وأنا رفضت! فلم يفتح الموضوع مرة ثانية، وكل ما كلمته عنها قال: إن شاء الله قريباً.

مرت الأيام وأجريت عملية، فسألني عن المستشفى وموعد العملية، فقلت له عن الموعد والمستشفى، فسألته لماذا؟ فقال: أريد أن أطمئن عليك! ولأني كنت متوقعة أنه لن يعرفني من كل هذه الأمم التي في المستشفى، لأني داخلة باسم مستعار، لكن المفاجأة جاءت عكس ما توقعت.

جاءتني الممرضة وقالت: هذا الورد لكم! لقيت عليه كرت كاتب فيه (الحمد لله على السلامة) وموقع فيه باسم أخته! أنا خفت بصراحة لأنه يعرف اسمي الآن، ولما سألته تهرب! وما قال شيئاً، وأنا الآن خائفة.

فضيلة الشيخ! المشكلة أني ما جربت عليه الكذب، وكنت أتفحص كلامه، وأحفظ المحادثات، لعلي ألقى عليه كذبة فما لقيت.

الأمر الآخر: كلامه محترم وما يطلع عن أطر الأدب والأخلاق، يلتزم بمواعيد الصلاة بمجرد ما يؤذن يقطع الاتصال، والده داعية معروف، والولد مشهود له في الدين والتربية الصالحة، ويقول لي: إنه يعمل حلقات حفظ للقرآن في المسجد القريب من بيتهم!
فوجئت مرة، وقلت له: أني خلاص أريد أن أنسحب، لأني أكره الماسنجر، لكنه تشبث بي تشبث الأطفال! لا أدري لماذا؟ يقول لي: لا تتركي أخوك! ومن هذا الكلام، لكن طريقته غريبة.

تصرفاته أحياناً طفولية وما لها تفسير، على أنه رجل عمره (25 سنة)، أحياناً أحسه رجلاً عاقلاً موزوناً، وأحياناً أحسه مراهقاً أهم شيء عنده أن يلعب بالمشاعر، وأحياناً أحسه طفلاً يريد أن يتكلم عن همومه بأمان!
دائماً يقول لي: أنت غريبة من بين البنات! لماذا تبتعدين عن الشباب؟ وحتى لو سألتي فأسلوبك صارم وقاس .. وليش وليش؟

كنت مضيفة على إيميل ثانٍ شباب وبنات فقط، أستفيد منهم، وبعدها أغلق الإيميل، لكنه صار يلح علي إلى أن ألغيت الأيميل، وكل مرة يقول لي: أخوك يغار! وأنا بصراحة لست واثقة فيه! ليش؟ لا أدري! على أن الكل يمدحون في أخلاقه على الموقع.

أنا احترت وأريد حلاً يريحني، لأني أشعر أني ارتكبت ذنباً، وأخطأت بحق نفسي وربي، وأريد أن أصحح أخطائي.

أنا سألت عن فتوى واضحة بخصوص الماسنجر، فما لقيت لذلك حلاً، لذلك لجأت إليك، وأرجو من الله أن يكون الحل عندك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك.

فحق للفتاة المسلمة العاقلة أن تخاف ممن لا يخافون الله، فالمرأة حمل وديع، وطبع الحمل أن يخشى الذئاب، وما أكثر الذئاب في هذه الشبكة العنكبوتية.

وأرجو أن تعلمي أنهم متخصصون ويلبسون لكل حال لبوسها، فإن وجدوا صالحة كلموها عن القرآن والمسجد والصلاة، وإن وجدوا غافلة كلموها عن المسلسلات والألبومات والفاسقين والفاسقات، وربما كانت البدايات صالحة، بل ربما كان هدف بعضهم الدعوة إلى الله، ولكن الشيطان هو الثالث، وله للنفوس حيل ومداخل، وأحسن من قال:

لا تأمنن على النساء ولو أخاً ما في الرجال على النساء أمين

وقد قال سعيد بن المسبب رحمة الله عليه: "لو ائتمونني على بيت مال المسلمين لكنت أميناً، ولو استأمنوني على جارية سوداء لخشيت على نفسي".

وليست العبرة بصلاح والده، ولكن العبرة بخوفه هو من الله، وبحرصه على كل ما يرضي الله، ومن حقنا أن نتهم من يضع نفسه في مواضع التهم، ونحن نحشى من أن يتطور الأمر فيصعب عليك الخروج من المأزق، خاصة إذا علمنا أن المرأة تتأثر بالكلام (والغواني يغرهن الثناء) وتميل إلى من يحميها، وهذا أمر قد فهمه أولئك الشباب، فربما ظهر أحدهم بمظهر الشهم الحامي للعرض فتنخدع الفتاة، ويصدق عليها عند ذلك ما قاله الشاعر الحكيم:

المستجير بعمروٍ عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

ولا تنخدعي إذا قال لك سوف أعطيك رقم أختي فقد يعطيك رقم امرأة أخرى من المخدوعات الغافلات، ويطلب منها أن تقول لك: إنها فعلاً أخته.

ونحن نتمنى أن تعودي إلى رشدك وصوابك وتقطعي الصلة بهذا الشاب، وإن كان عنده رغبة وفيه خير، فليأت البيوت من أبوابها حتى يستطيع محارمك أن يعرفوا دينه وخلقه، وأن يدركوا أحواله وقدرته على تحمل المسئولية، ومدى تقيده بالأحكام الشرعية، وأرجو أن تتوبي إلى الله، وتكتمي ما حصل حتى لا تتزعزع ثقة أهلك فيك، ويشكوا في تصرفاتك.

واعلمي أن السعيدة من وعظت بغيرها، وليس في الصالحات قلة حتى ترتبطي بالرجال مهما كانوا، فأشغلي نفسك بالمفيد، واحرصي على تلاوة وتدبر كتاب الله المجيد، وتعوذي بالله من الشيطان فإنه عدو عنيد، واعلمي أن حياتنا تتحول بالطاعة لله إلى عيد.

ولا شك أن تصويب الأخطاء يبدأ بالتوبة والإنابة لرب الأرض والسماء، واحذري من توبة الكذابين وهي أن يتوب الإنسان بلسانه ويظل القلب مرتبطاً بأهل المعصية، متشوقاً للعودة إليها، محتفظاً بذكرياتها وأرقامها، واعلمي أن الجبار سبحانه يمهل ولا يهمل، وأنه يمد لعبده، فإذا لبس للخطيئة لبوسها هتك الله ستره وفضحه وخذله.

وأرجو أن تجدي في المواقع النسائية ما يكفيك ويغنيك، مع ضرورة التعامل أيضاً بحذر، فقد تكون الأسماء مستعارة، وقد تخرج العلاقات عن أطرها فتتحول إلى عشق ثم إلى شرك، والمسلمة تحاسب نفسها قبل العمل لتتأكد من صلاح نيتها وصدق دوافعها، وتحاسب نفسها أثناء العمل لتتأكد من موافقته للكتاب والسنة، ولتطمئن على استمرار النية الصالحة، وتحاسب نفسها بعد العمل لتخلص نفسها من العجب والغرور، ومن الضروري بعد ذلك من أن تستغفر ربها الغفور، وتحدث نفسها بكل عمل صالح مبرور.

فاتقي الله في نفسك، وأكثري من ذكره وشكره واللجوء إليه، فإنه يجيب من دعاه، ونحن نشكر لك هذا الوعي الذي دفعك للسؤال، ومرحباً بك بين آبائك وإخوانك، ونسأل الله أن يحفظك وأن يسدد خطاك.

والله ولي التوفيق والسداد!

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً