الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توجيهات لشاب يشعر بالفشل بسبب أبيه

السؤال

السلام عليكم.

لو أردت وصف نفسي الآن فلن أصفها بأكثر من أني عبارة عن (كتلة فشل تمشي على الأرض)، والسبب الذي أوصلني لهذه المرحلة هو أبي الذي يحمل منهجاً علمانياً، على العكس مني؛ حيث اخترت طريق الالتزام، وأدى هذا إلى التصادم الذي انتهى بانتصاره علي، وأصبحت لدي عقدة من والدي الآن، لا أكلمه إلا ما ندر، مثل تلبية حاجات البيت، و(مرحباً وأهلاً) لا أكثر، حتى الطعام لا آكل معه.

فالآن وصلت لمرحلة لا أستطيع النجاح بأي شيء إلا بموته أو بالابتعاد عنه، حتى أجبرتني نتيجة سقوطي المتكرر بالجامعة -بسببه- إلى العمل بالجيش، الأمر الذي يضطرني الآن للبحث عن سبيل للسفر من أجل الدراسة في كلية حربية (رغم قسوتها)، من أجل أن أبتعد عنه، من أجل أن أجد لنفسي شخصية بعد أن طمرت شخصيتي تحت التراب.

وللأسف: يظن أبي أنه يعمل ما هو في مصلحتي، وهو لا يعلم أن ابنه بات عبارة عن كتلة فشل تمشي على الأرض، ابنه ليس له أي همة أو قوة، لدرجة أني في الجامعة في هذا الفصل أدرس ثلاثة كتب فقط، ولكن -للأسف- سيري فيها بطيء.

لا أدري متى يكون إبراهيم إبراهيمَ، خاصة أن أملي الآن إما بسفري أو موته أو موتي -والله- الواحد منا مرهق من الدنيا لقسوتها وقسوة طريق النجاح فيها، سبحان الله! شاب عمره (21) سنة لحد الآن لا طموح، لا نجاح، لا أمل، كل الهم الابتعاد عن الرجل المذكور حتى يجد نفسه.

حسبي الله ونعم الوكيل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إبراهيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يحفظك ويسدد خطاك، وأن يلهمك رشدك ويبلغك مناك.

فإننا لا نوافقك على التقصير في حق أبيك، ونبشرك بأن الله سينصرك ويقويك، فاستعن بالله ربك وكن مع الله ولن يضرك من يعاديك، ولست أدري ما هو نوع الأذى الذي يلحقك من والدك؟ لكننا ندعوك للصبر عليه والإحسان له ومصاحبته بالمعروف، مع وجوب مخالفته إذا أمرك بمعصيته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأرجو أن تحوِّل هذه المعاناة إلى نقطة انطلاق للأمام، فإن الذين ينتصرون على أنفسهم وعلى المشاكل التي تواجههم هم الذين يثبتون ويبدعون في معركة الحياة، وقد أحسن من قال:

ألا بالصبر تبلغ ما تريد **** وبالتقوى يلين لك الحديد

ولست أدري ماذا تقصد بانتصاره عليك؟ وهل أنت في معركة معه أم مع الباطل الذي يحمله؟ ولن يكون منتصراً عليك إلا إذا استطاع أن يمنعك من التمسك بالدين، ولا أظن أحداً يستطيع أن يفعل ذلك؛ لأن إيمان المؤمن في قلبه وطاعاته بينه وبين خالقه، ولا يستطيع أحد أن يمنعك من الركوع والسجود لله، أو يحول بينك وبين العمل من أجل الإسلام وتطبيق أحكامه في شتى جوانب الحياة.

ولو فرضنا أن ذلك حاصل فإنك تخطئ عندما تترك أمر الله من أجل مضايقات والدك، وليته علم أن هذه الأفكار أثبتت فشلها، وتبين أن من يحملونها لا يعرفون حقيقتها، وهم عبارة عن مجموعات السفهاء الذين يريدون أن يفسدوا ويعربدوا، وأنهم يكرهون الإسلام؛ لأنه سد طرق الفحشاء والمنكر.

وأرجو أن تعلم أن ميادين النجاح في الحياة ليست محصورة في تخصص معين، ولكن النجاح في الحياة يبدأ من ذكرنا لله في المساء والصباح، وبطاعتنا للعظيم الفتاح، وبسيرنا على طريق أهل الصلاح والفلاح.

ولا يخفى عليك أن أمتنا تحتاج لقادة عسكريين ناجحين كما تحتاج لأطباء صادقين ومهندسين ماهرين، وحتى خبازين مجتهدين وحدادين أمناء صادقين، حتى لا تحتاج إلى أعدائنا من الكافرين.

واعلم أن الخير والتوفيق بيد الله، فإذا سد الوالد أو غيره أمامك باباً من الأبواب فثق بأن الله سيفتح لك أبواباً إذا حرصت على طاعة الكريم الوهاب، وتوكلت على الله وفعلت الأسباب.

ولاشك أن النجاح الذي يتحصل عليه الإنسان بعد المعاناة أحلى طعماً، وأغلى قيمة، وأرجو أن تتمنى لوالدك الهداية وطول العمر، ولا تربط نجاحك بوفاته، واعلم بأن الأمر لله من قبل ومن بعد، وإذا أصلح الإنسان ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس.

ونحن نتمنى أن يكون شبابنا الذين منّ الله عليهم بالهداية أكثر الناس براً وشفقة على والديهم وإخوانهم، حتى يعكسوا لهم جمال هذا الدين الذي يطالبنا بالإحسان للوالدين والأرحام، فإن المعروف لهؤلاء صدقة وصلة، وبر ووفاء لمن تعب وسهر من أجل تربية الأبناء، وتوفير الطعام لهم والكساء.

ونحن نبشر الصادقين بأن العلمانية وغيرها من الأفكار الدخيلة قد أصابتها الشيخوخة المبكرة، وأصبحت دولها الكبيرة تتنكر لأبسط قواعدها، لكن العلمانيين العرب يريدون أن يكونوا (ملكيين أكثر من الملك) كما قيل في المثل.

وها هي دولهم الكبرى تضيق ذرعاً بقطعة قماش على رأس فتاة مسلمة، بعد أن كانوا يقولون: إن التدين مسألة شخصية، ويرفضون الدين في الحياة العامة التي فشلوا فيها، وأصبح كبراؤهم يلجؤون لأهل الأديان الباطلة ليشبعوا حاجة أرواحهم الجائعة، وربما استنفروا جهود أهل الأديان لحربنا.

وأرجو أن تعلم أن النجاح ينبع من داخل النفس، فثق بربك وتوكل عليه، واعلم أن الأمر بيده وحده، فتوكل عليه واعتصم به، وكفى به وكيلاً ونصيراً.

وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً