الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت حياتي أشبه بجحيم بسبب النظر الحرام وفقد الخشوع!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب في السابعة عشر من عمري، متشبث بأداء صلاتي وصيامي، وأحاول القيام بواجبات ديني على أكمل وجه، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة مشكلة تنغص علي حياتي، وهي عدم الخشوع في الصلاة، فأصبحت الصلاة عادة أمارسها خمس مرات في اليوم، لا لذة ولا طمأنينة فيها، وضعفت صلتي بالله، حتى أني أصبحت أفضل أموراً أخرى عليها، مع أني أفعلها دائماً كمشاهدة التلفاز أو قراءة رواية.

وظهرت ملامح هذه المشكلة لأول مرة قبل ستة أشهر عند فشلي في تخطي امتحان أجبرني على تغيير جدول دراستي الزمني؛ مما أثر علي كثيراً تحصيلاً ونفسياً، إلا أنني تغلبت على ذلك جزئياً، وأكرمني الله بالتوفيق.

لكن المشكلة لم تنته وتدهورت، حتى أصبح حال صلاتي ميؤوساً منه، كما ذكرت في بداية كلامي، ومما زاد الطين بلة اقترافي معاصٍ لم أكن أتوقع ولو في أسوأ الأحوال ممارستها، كالاستمناء ومشاهدة الصور الساقطة واللجوء إلى التدخين، وأصبحت حياتي أشبه بجحيم أبدي لا أستطيع الخروج منه، فساعدوني على استعادة خشوعي وتلذذي بصلاتي لله.

أفيدوني أفادكم الله، والسلام عليكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ عبد القادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله أن يحفظك ويوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يلهمك الرشاد والسداد، وأن يردك إلى الخير والصواب.

إن شعورك بالمشكلة هو أول خطوات العلاج، ومعرفتك للذة الطاعات هي خير ما يعينك على الثبات بعد توفيق رب الأرض والسماء، فارفع أكف الضراعة، وأكثر من الدعوات، وأشغل نفسك بطاعة الله، وتجنب ذنوب الخلوات، واعلم أن الشيطان يستدرج ضحاياه بالخطوات، ويزين القبيح ويدعو للمنكرات، وليس الفشل في امتحان معناه نهاية المطاف، لكنه خطوة في طريق النجاح، وفرصة للجوء للفتاح الذي يهب التوفيق والنجاح.

واعلم أن الإنسان في امتحان، و(عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له). فعود نفسك الرضا بالقضاء، وأكثر من الاستغفار والدعاء، ولا تكن كالذين يتحرقون، وإذا أصابتهم الضراء ينقلبون، قال تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ))[الحج:11].

وقد أسعدني حرصك وبحثك عن الخشوع؛ لأن ذلك يدل على أنك على خير، وقد وهبك الله نفساً لوامة، أرجو أن تقودك إلى الخيرات. فسارع إلى عمل الحسنات الماحيات، واعلم بأنها آخذة برقاب بعضها، وكذلك السيئات، فالحسنة تجر إلى أختها، وتجلب السعادة والبركات.

ولا يخفى على أمثالك ما في الشاشات من منكرات، ومن نساء كاسيات عاريات، واعلم أن النظر إليهن يجلب الفساد ويورث الخسران، وقد أمرنا رب الأرض والسماوات، أن نغض الطرف ونصون العورات، فقال في آيات محكمات: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ))[النور:30].

وقد أحسن من قال:
كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها *** فعل السهام بلا قوس ولا وتر
يسر ناظره ما ضر خاطره *** لا مرحباً بسرور عاد بالضرر

والنظر سهم مسموم، والسهم المسموم يتلف الجسد، كما أن النظر المحرم يتلف القلب، ويذهب الخشوع، ويهيج ثعبان الشهوة، وهذا هو الذي دفعك لممارسة العادة السيئة، وقد يدفعك -والعياذ بالله- إلى مزيد من الشرور. فسارع بالعودة إلى ربك الغفور، وواظب على الصلاة؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وابحث في بيوت الله عن رفقة الخير، وتجنب الوحدة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً